كتاب: يوميات غوانتانامو / للسجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي (الحلقات 20-25/ جريدة الأمل الجديد)

خميس, 10/22/2015 - 11:06

كل ذلك وسط التحقيقات الرهيبة في غوانتانامو. الى جانب ذلك فان تجربته عهذه تخبرنا المزيد عن مهاراته ككاتب حيث تمكن بعد فترة من تلك التجارب المليئة بالصدامات ان يخلق منها رواية تصلح ان تكون دليلا على الادانة والانعتاق على حد سواء.

ومع ذلك ليس هذا هو الشيء الذي ترك اثره الكبير في كقارئ وكاتب عندما قرأت مخطوطة محمدو يوميات غوانتانامو للمرة الأولى بل ما لفت نظري هو الشخصيات والمشاهد التي نقلت فيها بعيدا عن غوانتانامو على سبيل المثال: عاثر الحظ الذي حاول الفرار في باخرة ويقبع الآن في سجن سينغالي. مشهد غروب الشمس في نواكشوط بعد عاصفة رملية في الصحراء الكبرى. لحظات الحنين والاشتياق المفطرة للقلب للعودة الى الوطن والاسرة مع رفع الاذان في رمضان قرب المطار من احياء الصفيح في نواكشوط. المدرج ذو السطح الاملس المنزلق في قبرص الهدوء الناعس قبل الفجر على متن طائرة العمليات التابعة لوكالة المخابرات المركزية... ها هنا تعرفت اولا على محمدو الكاتب بنظرته الثاقبة للشخصيات وسمعه الرائع للاصوات والطريقة التي انصهرت بها ذكرياته بالمعلومات المسجلة بالحواس الخمس وبالاسلوب الذي يصف به مواطن المشاعر والعواطف في داخله وداخل الآخرين انه يمتلك اكثر المواصفات التي اثمنها في أي كاتب الحس المؤثر بالجمال والحس الجاد بالسخرية كما ولديه حس ساخر بالدعابة.

ومع ذلك فانه يبرع باللغة الانكليزية لغته الرابعة تلك التي كان لا يزال يتعلمها عند كتابة المخطوطة وانجازه هذا يشهد على بارتعته اللغوية الساحرة التي ستبقى دوما نابضة بالحياة وهذا ينبع كما هو واضح من اصراره على التعاطي مع بيئته بشروطها الخاصة والانخراط فيها فمن جهة اتقان الانكليزية في غوانتانامو يعني التحرك الى ما وراء الترجمة والترجمة الفورية الى ما وراء الحاجة الى شخص ثالث في الغرفة وفتح الامكانية ان يصبح الاتصال باي شخص من معتقليه تبادلا شخصيا ومن جهة اخرى يعني فك الرموز وفهم لغة القوة التي تتحكم بمصيره –القوة التي توضحها على نحو جلي اوديسته من الحجز والتحقيقات ومن التأثير الصاعق والوصول في رحلة استغرقت عشرين الف ميل ليخرج من هذا كله عملا رائعا. فمن جهة انه المرآة- لأنها المرة الأولى التي اقرأ فيها شيئا عن غوانتانامو- التي ادركت من خلالها اطوار ذاتي في شخصيات ابناء بلدي وفي شخصيات اولئك الذين هم اسرى لدى ابناء بلدي ومن جهة أخرى هو عدسة مركزة على امبراطورية ذات هدف وتاثير نادرا ما نفهمها نحن الذين نعيش بداخلها.

حتى الآن ما زالت القو تتحكم بقصة محمدو انها موجودة في هذه الصفحات التي يتخللها اكثر من الف وستمائة بقعة من التدقيقات هذه التدقيقات لا تخفي العناصر الهامة بل انها تشوش مبادئ محمدو المرشدة وغرضه الرئيسي قاطعة الصراحة التي يسرد بها حالته وملحقة الغموض بجهوده لتمييز شخصياته كافراد بعضهم جدير باللوم وبعضهم الآخر جدير بالاعجاب والاكثرية منهم تركيبية معقدة ومتغيرة من النموذجين.

وقبل كل شيء انها -القصة- حاضرة في بقائه في السجن دون ان يكون هناك تفسير قوي لذلك غادر محمد منزله في نواكشوط الموريتانية قبل ثلاثة عشر عاما وقاد سيارته الى مركز الشرطة في بلاده من اجل التحقيق ولم يعد بعد ذلك وبسبب شعورنا الجمعي بقصته وبالعدالة يجب أن يكون لدينا فهم أوضح لماذا لم يحدث هذا بعد؟ وما الذي سيحدث لاحقا؟

غوانتانامو تعيش على الاسئلة غير المجاب عنها ولكن لدينا الان يوميات غوانتانامو فكيف لا نستطيع ان نجيب على الاقل عن الاسئلة في قضية محمدو؟

عندما نجيب عن تلك الاسئلة اعتقد انه سيعود الى البيت وبحدوث ذلك فان الفراغات في العمل ستملأ من جديد والنص سيتم تحريره من جديد وسيعدل ويجدد كما اراده محمدو بالذات ان يكون وسنكون احرارا في رؤية يوميات غوانتانامو العمل لاذي في كليته ما هو الا وصف لملحمة رجل عبر عالم قلق على نحو متزايد وبلا حدود عالم حيث القوى التي تشكل الحياة هي ابعد واكثر سرية من أي وقت مضى حيث تحدد المصائر على ما يبدو من قبل سلطات لا يمكن الوصول اليها مطلقا عالم يهدد بنزع الصفة الانسانية عن المجتمع الانساني ولكنه تهديد محكوم بالفشل باختصار انه ملحمة عصرنا.

الفصل الأول

الاردن – افغانستان – غوانتانامو

يوليو 2002 – فبراير 2003

سيطرة الفريق الأمريكي على الوضع.. الوصول الى باغرام.. ومن باغرام الى غوانتانامو.. غوانتانامو البيت الجديد.. يوم في الفردوس وآخر في الجحيم.

................ يوليو ........... عام 2002 الساعة العاشرة مساء.

ذ     توقفت الموسيقى تلاشت أحاديث الحراس أفرغت الشاحنة.

شعرت بالوحدة في عربة الموتى.

لم يدم الانتظار طويلا: لمست وجود اناس جدد فريق صامت من البشر لا اتذكر كلمة واحدة من كل ما جرى فيما بعد.

شخص ما كان يفك السلاسل عن معصمي أنهى احدى فتلقفها رجل آخر واحناها لشخص ثالث ليضع بدوره اصفادا جديدة اثقل واكثر رسوخا لقد قيدت يديا امام مرأى بصري.

شرع أحد الاشخاص بتمزيق ملابسي بشيء شبيه بالمقص تساءلت أي جحيم يجري؟ بدأت الرحلة التي لم ارغب فيها أو أبادر بها تقلقني شخص آخر كان يقرر كل شيء بالنيابة عني انتابني مخاوف العالم كلها عدا الخوف من اتخاذ القرار. جالت افكار عديدة بسرعة في ذهني كانت الافكار المتفائلة تقول: لعلك في ايدي الامريكان فلا ينتبك القلق يريدون اخذك الى البيت فحسب وهم اذ يفعلون ذلك يريدون ان تجري الأمور بسرية تامة. في حين كانت الافكار المتشائمة توحي بانك قد وقعت في الشرك ولا بد أن الأمريكان تمكنوا من القاء بعض القذارة عليك وأنهم في طريقهم لأخذك الى سجون الولايات المتحدة لاقامة فيها بقية حياتك.

جردت من ملابسي كان ذلك شيئا مهينا ولولا مساعدة العصابة لما تمكنت من تفادي النظرة المقززة الى جسدي العاري. ولم تسعفني الذاكرة خلال ذلك الاجراء كله سوى دعاء الاستغاثة "يا حي يا قيوم" وكنت اتمتمه طوال الوقت ولكما واجهت موقفا مشابها انسى كل صلواتي عدا دعاء الاستغاثة الذي تعلمته من حياة نبينا عليه السلام.

لف أحد افراد الفريق حفاظة للاطفال على اعضائي الخاصة عندئذ كنت على يقين تام من أن الطائرة تتجه نحو الولايات المتحدة بدأت الآن اقنع نفسي ان كل ما سيجري سيكون على ما يرام. لكن خشيتي الوحيدة هي ان تشاهدني اسرتي على التلفزيون وانا في هذا الموقف المهين. كنت نحيلا للغاية تلك كانت سمة لجسدي ولكن لم تبلغ مني النحافة الجسدية هذا القدر في حياتي كلها حيث باتت ملابس الخروج التي ارتديها فضفاضة جدا حتى بدوت فيها كقط صغير في كيس كبير.

حينما انتهى الفريق الأمريكي من عملية الباس الملابس التي خاطوها لي ازال أحدهم العصابة عن عيني لبعض الوقت لم استطع رؤية الكثير لأنه سلط ضوءا خاطفا على عيني مباشرة كان الرجل تلفه بزة سوداء تغطيه من اعلى الرأس حتى أخمص القدمين فتح فمه واخرج لسانه أوحى لي بايماءة ان افعل الشيء ذاته وهو نوع من اختبار "اغغغ" للحلق وقد قبلت به دون مقاومة شاهدت جزءا من ذراعه الشاحب ذي الشعر الاشقر فترسخ الاعتقاد لدي بانني بين ايدي العم سام.

ضغطت العصابة على عيني في الوقت الذي كنت اصيخ السمع الى محركات الطائرة تيقنت ان طائرة كانت تهبط وأخرى كانت تهم بالاقلاع. شعرت بدنو طائرتي الخاصة أو ان السيارة كانت تدنو من الطائرة لا أتذكر أي شيء آخر. ولكنني اتذكر حينما امسك المرافق بي بسرعة عند الخروج من العربة لم تكن هناك مسافة بينها وبين درج الطائرة. كنت منهك القوى مريضا ومتعبا الى درجة لم استطع معها المشي مما اضطر المرافق أن يحملني في صعودنا الدرج كجسد ميت.

كان الجو باردا للغاية داخل الطائرة وضعت على اريكة شبيهة بارضية غرفة الى حد كبير ومن ثم قام الحراس بوضع القيود في يدي بعدها شعرت بالقاء بطانية علي ومع انها كانت رقيقة جدا لكنها اراحتني على اية حال.

استرخيت واطلقت العنان لاحلامي فكرت بافراد اسرتي اولئك الذين لن اراهم مرة اخرى بعد اليوم كم سيكونون حزانى كنت ابكي بصمت ودون دموع ولسبب ما ذرفت دموعي كلها في بداية الحلة تلك التي كانت بمثابة الحد الفاصل بين الحياة والموت تمنيت لو كنت افضل مع الناس وتمنيت ان اكونا فضل لأسرتي ندمت على كل خطأ ارتكبته في الحياة تجاه الله وتجاه اسرتي وتجاه أي شخص آخر.

كنت افكر بالحياة في سجن امريكي فكرت بالافلام الوثائقية التي شاهدتها عن سجونهم وبالقسوة التي يعاملون بها سجناءهم. تمنيت لو كنت اعمى أو ان يكون لدي نوع من الاعاقة الجسدية حتى يضعوننيفي مكان معزول ويمنحونني شيئا من الحماية والمعاملة الانسانية. كنت افكر كيف سيكون استجواب القاضي في اللقاء الاول هل سأحصل على محاكمة مستحقة في بلد مليء بالكراهية ضد المسلمين؟ هل اما محكوم سلفا حتى قبل أن امتلك الفرصة للدفاع عن نفسي؟

غرقت في الاحلام المؤلمة هذه بينما كنت انعم بدفء الطانية لكن الم الحاجة الى التبول كان يخزني مرات وعلى فترات عديدة لم تفدني حفاظة الاطفال حيث فشلت في اقناع دماغي لاعطاء الاشارة لمثانتي. وكلما اجهدت في المحاولة كان دماغي يزداد عنادا في المقابل مع هذا ظل الحارس القريب مني يصب الماء من القارورة في فمي مما زاد الوضع سوءا لم يكن هناك مجال لرفض ذلك فاما ان تبتلعه اوتموت خنقا في حين ان التمدد الى جانب واحد كان يقتلني بصورة تفوق الخيال وكلما حاولت ان اغير وضعيتي كان الفشل من نصيبي لان يدا قوية كانت تدفعني لاعادتي الى الوضعية نفسها.

استطعت ان اميز ان الطائرة التي تقلني طائرة كبيرة نفاثة مما دفعني الى الاعتقاد باننا ماضون في رحلتنا الى الولايات المتحدة مباشرة ولكن بعد مرور خمس ساعات بدأت الطائرة تنخفض وسرعان ما هبطت بسلاسة على مدرج المطار. كنت اعرف ان الولايات المتحدة ابعد قليلا من هذه المسافة اين نحن اذا في رمشتاين في المانيا اجل كانت هي مدينة رامشتاين بالذات حيث يوجد مطار عسكري للولايات المتحدة فيها وذلك لعبور الطائرات القادمة من الشرق الاوسط سنتوقف في هذا المطار من اجل التزود بالوقود. ولكن حالما هبطت الطائرة بدأ الحراس بتبديل سلاسلي المعدنية باخرى بلاستيكية قطعت كاحلى الما في المسافة القصيرة التي قطعتها مشيا للوصول الى طائرة هليكوبتر. ربت احد الحراس على كتفي عند اخراجي من الطائرة كما لو اراد ان يقول ستكون على ما يرام وبما انني كنت اعاني عذابا شديدا فقد منحتني تلك الاشارة املا بانه مازال هناك بعض من يتسم بالانسانية من بين اولئك الذين يتعاملون معي.

عندما غمرتني الشمس ظرا السؤال مرة اخرى اين انا؟ نعم انا في المانيا كان الشهر هو شهر يوليو والشمس تشرق باكرا في هذا الوقت هنا ولكن لماذا المانيا فانا لم ارتكب جرائم في المانيا أي قذارة الصقوها بي ومع ذلك فان النظام القانوني الالماني هو افضل خيار لي اعرف الاجراءات جيدا واتحدث اللغة الالمانية وعلاوة على ذلك يمتاز النظام الالماني بالشفافية نوعا ما ولا توجد احكام تصل مدتها الى مائتين او ثلاثمائة عام لم يكن هناك ما يقلقني كثيرا سيواجهني قاض الماني ويعلن ما تحمله الحكومة ضدي ومن ثم سيتم ارسالي الى سجن مؤقت حتى يتم البت في قضيتي ومن ثم يؤخذ القرار بها لن اخضع للتعذيب ولن ارى وجوه المحققين الشيطانية.

هبطت طائرة الهوليكوبتر بعد عشر دقائق اخلت في سيارة مع وجود حارس على جانبي كان السائق وجاره يتحدثان بلغة لم اسمعها من قبل ابدا فكرت باي لغة لعينة يتكلمان لربما كانت الفلبينية فكرت بالفلبينيين لانني على علم بالوجود العسكري الكبير للولايات المتحدة هناك. نعم امهما فلبينيان متعاونان مع الولايات المتحدة أمطراني بوابل من الشتائم ماذا سيكون سؤال قاضيهم مع ذلك اريد الان ان اصل فحسب لاتبول ومن ثم بامكانهم ان يفعلوا ما يريدون من فضلكم دعوني اصل فكرت بهذا بعد ذلك يمكنكم حتى قتلي.

جرني الحراس الى خارج لاسيارة بعد خمس دقائق من القيادة وشعرت كما لو انهم وضعوني في قاعة اجبروني على الركوع ورأسي منخفض الى الاسفل كان علي ان ابقى في تلك الوضعية حتى يأخذوني صرخوا لا تتحرك وقبل بدئ التخوف من أي شيء اخر قضيت حاجتي الى التبول حيث لم اشهد راحة مثلها منذ ان ولدت. كانت راحة مميزة لا يعلوها شيء شعرت كما لو انه تم اطلاق سراحي وعدت الى البيت تلاشت مخاوفي كلها فجأة وابتسمت في داخلي لم يلحظ أحد ما فعلت بعد رفع ساعة جرني بعض الحراس واخذوني الى غرفة يبدو أنهم اجروا فيها مسبقا امور العديد من السجناء. وفور دخولي الغرفة رفع الحراس الغطاء عن رأسي. آه كانت أذناي تؤلمانني بشدة وكذلك رأسي كان يجتاحه صداع في الواقع كان جسدي كله يتآمر علي بالكاد كنت قادرا على الوقوف بدأ الحراس يجردونني من ملابسي وسرعان ما كنت اقف هناك عاريا كما ولدتني امي وقفت هناك للمرة الأولى مام جنود أمريكان وليس أمام التلفزيون هذا مؤكد بدر مني رد فعل اعتيادي فغطيت اعضائي الخاصة بيدي كما انني بدات اتلو بسرعة دعاء المصائب يا حي يا قيوم لم يوقفني احد عن الدعاء ولكن احد عناصر الشرطة العسكرية كان ينظر الي بنظرة ملؤها الكراهية وفيما بعد امرني بالتوقف عن النظر حولي في الغرفة.

قام الطبيب .............. بفحص طبي سريع لي ثم لفوني بملابس افغانية في الفلبين بالطبع كنت مقيدا يداي وقدماي كانت مربوطة بخاصرتي وعلاوة عن ذلك وضعيت يدي في قفازين بهذا كنت جاهزا للعمل أي عمل لا املك ادنى فكرة.

سحبني مرافق الفريق معصوب لاعينين الى غرفة مجاورة للتحقيق وحالما دخلت الغرفة بدأ بعض الاشخاص بالصراخ ورمي اشياء ثقيلة على الجدار. في ذاك العراك الصاخب استطعت أن اميز الاسئلة التالية:

اين ملا عمر؟

اين اسامة بن لادن؟

اين جلال الدين حقاني؟

اجتاح عقلي تحليل خاطف الاشخاص الذين مرت اسماؤهم في هذه الاسئلة كانوا يقودون بلدا والآن هم حفنة من الهاربين لقد فات المحققين شيئان اثنان: اولا انهم اوجزوا لي اخر الاخبار: تم احتلال افغانستان ويتم اعتقال لااشخاص في المراتب العليا في البلد.

وثانيا عدت بنفسي الى الوراء الى الفترة التي بدأت فيها الحرب ضد الارهاب ومنذ ذلك الحين كنت في سجن اردني أي انني كنت منقطعا عن بقية العالم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فكيف كان لي أن اعرف ان الولايات المتحدة قد دخلت افغانستان ناهيك عن قادته الهاربين لم اذكر أين كانوا الآن.

اجبت بتواضع لا اعرف.

انت تكذب صرخ علي احدهم بعربية مكسرة.

كلا لا اكذب اعتقلت ثم كذا وكذا واعرف فقط ابوحفص... ورويت لهم سريعا قصة حياتي كلها.

يجب أن نحقق مع هؤلاء الفاعلين بامهاتهم كما يفعل الاسرائيليون بهم.

ماذا يفعلون سأل آخر.

يعرونهم ومن ثم يحققون معهم.

قد نفعل ذلك قال آخر.

كانت الكراسي ما تزال ترمى وتضرب على الجدران وعلى ارض الغرفة عرفت أن هذا ليس الا لاظهار القوة وبث الخوف والقلق تركت العنان لنفسي في خضم التساؤلات العميقة المتدفقة لم اصدق ان الامريكيين يمارسون التعذيب ومع هذا اعتبرت التعذيب احتمالا بعيدا.

ساحقق معك فيما بعد قال احدهم فترجمها لي مترجم الولايات المتحدة حرفيا.

خذوه الى الفندق قال احد المحققين لم يترجم المترجم الجملة هذه المرة. هكذا تم التحقيق الاول معي وقبل ان يمسك بي المرافق حاولت التواصل مع المترجم رغم مخاوفي الشديدة. سألته اين تعلمت هذه العربية الجيدة؟

فاجاب متملقا في الولايات المتحدة في الواقع لم يكن يتكلم عربية جيدة لكن كان هدفي ان اكسب بعض الاصدقاء.

بعد ذلك ابعدني فريق المرافقة عن المكان وسألني احدهم بلكنة اسيوية ثقيلة:

هل تتكلم الانكليزية؟

قليلا.

ضحك وضحك معه زميله انتابني شعور في تلك اللحظة بأنني إنسان وأتحدث حديثا عاديا قلت في نفسي كم الامريكان ودودين سيطعونك في فندق ويحققون معك مدة يومين ومن ثم يعيدونك جوا الى البيت بأمان لا داعي للقلق معهم تريد الولايات المتحدة التدقيق في كل الامور فحسب وبما انك بريء فلابد انهم سيكتشفون ذلك ولكن لا تنس لوجه بطرس الرسول انك في قاعدة في الفيلبين ومع ذلك فانها قاعدة تقع على حافة الشرعية وان بقاءك فيها مؤقت ان ما خلق لدي هذا التصور الخاطئ بانني في الفيلبين هو حديث احد الحراس بتلك اللكنة الاسيوية الثقيلة.

سرعان ما وصلت ولكن ليس الى فندق بل الى زنزانة خشبية بلا حمام ولا مغسلة كان اثاثها المتواضع يتألف من فراش رقيق تغير لونه بسبب تعرضه للعوامل الجوية وبطانية قديمة. تمكنت من استنتاج وجود شخص آخر هنا. كنت سعيدا على نحو ما بابتعادي عن الاردن مرتع الامور العشوائية ولكنني كنت قلقا على الصلوات التي لم استطع تاديتها واردت أن اعرف كم صلاة فاتتني في رحلتي كان حارس الزنزانة ......... نحيلا أبيض الامر الذي زاد من دواعي الراحة عندي ومرد ذلك أنني في الاشهر الثمانية الاخيرة لم يتم التعامل معي الا من قبل ذكور ضخام ذوي شوارب.

سألت .......... عن الوقت فاخبرتني .......... أنها حوالي الحادية عشرة ان لم تخني الذاكرة تشجعت وسألتها سؤالا آخر في أي يوم نحن فكان جوابها لا اعرف فكل لاايام هنا متماثلة حينئذ ادركت أنني تجاوزت الحد المسموح به في طرح الاسئلة فيما بعد سأعرف انها كان من المفترض ان لا تجيبني عن الساعة ايضا.

وجدت نسخة من القرءان وقد وضعت برفق على بعض عبوات الماء تيقنت انني لست الوحيد في السجن نعم بدالي الآن على نحو لا يدعو للشك أنه سجن وليس فندقا.

تبين أنهم اخذوني بالخطإ الى زنزانة غير مخصصة لي وفجأة شاهدت قدمي معتقل ولكني لم أتمكن من رؤية وجهه لانه كان مغطى بكيس اسود سأعرف في الحال أن الاكياس السوداء توضع في رؤوس الجميع لمنعهم من الرؤية ومن التعارف فيما بينهم بمن فيهم كاتب هذه الكلمات. بصراحة لم أرغب في رؤية وجه المعتقل خشية أن أجد فيه الالم أو المعاناة لانني أكره رؤية الناس وهم يتألمون إن رؤية الالم على وجوههم يفقدني صوابي.

لن انسى ما حييت انين وصراخ المعتقلين المساكين في الاردن عندما كانوا يعذبون اتذكر أنني كنت اضع يدي على اذني لئلا اسمع صراخهم وبكاءهم ولكن محاولاتي كلها كانت تبوء بالفشل فرغم محاولاتي كانت معاناتهم تصلني كان ذلك مرعبا حتى اكثر سوءا من التعذيب نفسه.

اوقفت الحارسة فريق المرافقة بابي وارسلتني الى زنزانة اخرى كانت شبيهة بالزنزانة الاولى التي دخلتها للتو غير انها كانت تختلف بجدارها المطلي وجدت فيها عبوة ماء نصف ممتلئة كانت رقعتها تحمل كتابة باللغة الروسية قلت لنفسي قاعدة امريكية في الفيلبين وعبوات الماء من روسيا.

لا تحتاج الولايات المتحدة الى الامدادات من روسيا وحتى جغرافيا لا يستقيم المعنى اين انا ربما في جمهورية روسية سابقة كطاجكستان مثلا كل ما اعرفه هو انني لا اعرف.

كانت الزنزانة محرومة من التسهيلات التي تجعلك تقوم بالامور اليومية الاعتيادية كن الوضوء مستحيلا وحتى ممنوعا لم يكن هناك أي دليل على تجاه القبلة أي اتجاه مكة فعلت ما استطعت جاري المجاور كان مريضا عقليا ويصرخ بلغة غير مألوفة بعدئذ عرفت انه كان زعيما للطالبان.

في وقت متأخر من ذاك اليوم العشرين من يوليو 2002 اخذني الحراس للقيام باجراءات روتينية مثل اخذ البصمات وقياس الطول... الخ.

خلال ذلك تم تقديمي الى ........ كمترجمة يبدو ان العربية ليست لغتها الاولى علمتني القوانين ممنوع الكلام ممنوع الصلاة بصوت عال ممنوع الوضوء ومجموعة اخرى من الخطوات التي تصب في ذاك الاتجاه.

سألني الحارس اذا ما كنت بحاجة الى استخدام الحمام اعتقدت انه يقصد مكانا يمكن اخذ الدوش فيه فقلت نعم كان الحمام الذي قصدته برميلا مليئا بمخلفات الانسان.

كان حماما مقززا للنفس لم ار مثله في حياتي كان واجب الحراس مراقبتك وانت تقوم باعمالك لم استطع تناول الطعام كان الطعام في الاردن افضل بما لا يقاس من الوجبات الجاهزة الباردة التي تناولتها في باغرام لذا لم احتج الى استخدام الحمام اعتدت ان استخدم عبوات الماء الفارغة في غرفتي لابول فيها لم يكن وضع النظافة مثاليا فحينما كانت تمتلئ العبوات كنت ابول على الارض مع انتباه بألا يسيل البول الى الباب.

في ليالي اتلعزلة اللاحقة جاءني حارس غريب كان يحاول ان يجعلني ارتد عن الاسلام وادخل دين المسيحي استمتعت بالحديث اليه مع ان لغتي الانكليزية كانت تقتصر على الاساسيات شريكي في الحوار كان شابا متدينا نشطا كان يحب بوش القائد الديني الحقيقي وفق معاييره ويكره بيل كلونتون الملحد كان يحب الدولار ويكره اليورو كانت لديه نسخة من الكتاب القدس يحملها معه طوال الوقت وكلما كان يجد الفرصة كان يقرأ لي القصص معظمها كانت من المعهد القديم لم استطع فهمها لو لم اقرأها باللغة العربية ولعدة مرات فضلا عن ان القصص في نسختها ليست بذلك البعد عن قصص القرآن درست الانجيل في السجن الاردني طلبت نسخة فاتوني بها.

كان الانجيل مفيدا جدا في فهم المجتمعات الغربية ومع ذلك فان الكثيري منهم ينكرون تأثرهم بالكتب الدينية المقدسة.

لم احاول مناقشته كنت سعيدا بوجود شخص اتحدث اليه انا وهو كنا مجمعين على ان الكتب الدينية بما فيها القرآن تنبع من مصدر واحد دون جدال. كما بدا لي ان معرفة الجندي المتحمس بدينه كانت ضحلة ومع ذلك استمتعت ان يكون حارسي كان يمنحني وقتا اطول في الحمام وكان دائما ينظر الي البعيد حينما كنت استخدم البرميل.

سالته عن وضعي فقال لي انك لست مجرما لانهم يضعون المجرمين في الطرف الاخر مشيرا بيده فكرت باولئك المجرمين تخيلتهم مجموعة من المسلمين الشباب وكم ظروفهم قاسية الآن.

شعرت بوضعي السيء بعد ان تم نقلي الى حيث اولئك المجرمين واصبحت مجرما ذا مرتبة عالية كنت خجلا نوعا ما عندما رآني الحارس فيما بعد وانا مع المجرمين هذا بعدما اخبرني انني سيتم اطلاق سراحي بعد ثلاثة ايام. تصرف على نحو طبيعي ولكن لم تكن لديه الحرية الكافية للتحدث معي حول الدين هناك بسبب وجود هذا العدد الهائل من الزملاء اخبرني سجناء آخرون بانه ليس سيئا تجاههم ايضا.

بعد ليلتين أو ثلاث ليال اخذني.......

يتواصل