قيم الوهم (رأي حر)

خميس, 11/26/2015 - 12:11
عبد الرحمن ودادي

عدت مؤخرا من مؤتمر سياسي شاركت فيه احزاب تمتد من الهند حتى المكسيك مرورا بالعالم العربي.

انتابني و انا اتباع تدخلات المشتركين العقلانية و المليئة بقيم المساواة والتسامح حزن عميق و جال في خاطري نمط الخطاب السائد لدينا من تطرف و استحقار بالآخر.

عاودتني منشورات تمجيد القتلة و السفاحين من طغاة العرب على صفحات التواصل الاجتماعي و حضرت في بالي خطبة إمام مسجد مليئة بالدعاء بالزلازل والطاعون و انقطاع النسل على امم العالم التي تصنع مكبر الصوت الذي يوصل زعاقه لأذني والهاتف في جيبه و الثوب الساتر لعورته.

الهوة بيننا مع امم العالم في مجال البنى التحتية و التعليم و الخدمات رغم ضخامتها تظل ضئيلة بالنسبة للهوة الفكرية و القيمية.

لعلنا من مجتمعات قليلة تحسب على اليد في الكرة الأرضية مازالت الى اليوم تقيّم البشر على معايير ترجّح الماضي على الحاضر و سيرة الأجداد على الاكتساب.

كم من فتاة في ريعان الصبا حُطمت روحها لأن نسب من تحب لا يناسب مقاييس قبليّة و طبقيّة تعود الى فترات الوحشية البدائية التي مر بها بلدنا المنكوب.

هذه ابنة "زوايا" من ادعياء العلم و بكثير من الجهد و البحث ربما ستكشف في سلالتها البعيدة من شرح حاشية على كتاب لا قيمة له في ارث البشرية الثقافي و الغالب ان معظم أفراد قبيلتها يعانون صعوبات جدية في القراءة و الكتابة.

أما تلك فسليلة قبيلة من "العربان " خاضت في تاريخها معارك لفرض غرامة من "بيصتين " من النيلة و مرآة من "عوينة لبعير" و" خراط" لإزالة القمل على مساكين لا يجدون قوت يومهم.

قاد جورجي جوكوف اعظم معارك الحرب العالمية الثانية و هزم ألمانيا النازية و حلفائها و ترك ايمانويل كانط بصمة لا تمحى في الفكر الانساني مع هذا لم تحمل سلالتهما من قيم التعالي ما يحمل ابناء "زوايانا و عرباننا".

المنظومة الدينية عاجزة عن اختراق جُدر الفرقة و العنصرية وجل الفقهاء يفضلون التفرغ لتحريم الموسيقى و الرقص و توصيف عذاب القبر و نشر قيم الكراهية المستوردة من بلاد النفط.

نظرة على نسبة ابنائنا في الحركات الارهابية و متابعة بسيطة لوسائل التواصل الاجتماعي توضح بجلاء نجاح هؤلاء في نشر هذه القيم التي تحول الآخرين الى ملاعين و كفار.

التعاطف خارج حدود الملة كفيل بأن يحولك مباشرة الى عميل للصهيونية العالمية و مأجور من طرف كفار قريش و ما زلت اتذكر بمرارة تعليقات جارحة تلقيتها لتعبيري عن الحزن لرحيل نيلسون مانديلا بينما لا تجد الاكثرية غضاضة في شق الثوب و البكاء على عجوز افنى حياته بين هياكل تهذيب الجماهير و الحزب الجمهوري و الاتحاد من اجل الجمهورية و لم يترك من الإرث سوى بعض المال الحرام و قصص عن مهاراته الفذة في النفاق و التزلف.

الأجنبي في ثقافتنا دائما جاسوس مدسوس ، و ليت شعري على ماذا يتجسس؟

اعلى مفاعل "توجنين" الذري أم قاعدة الصواريخ البالستية في "عين الطلح" أم أسرار مصنع الطائرات في "فيراج الديك"؟!!!

أي مهتم بعلم النفس سيصنف هذه الشكوك في اطار الوساوس القهرية كما سيشخص احتقار الآخر والنظرة المتعالية بتضخم الأنا المرضي و سيصل الى ان مجتمعاتنا مصابة بأعراض متقدمة من الاضطراب النفسي.

آن لنا ان أن ندرك ان شعبا ما زال يفرق بين ابنائه بقيم اللون وتفاهات الماضي و ينظر شزرا للبشرية جمعاء مآله الحتمي في قعر مزابل التاريخ.