حماية البيئة والتنمية الاقتصادية

ثلاثاء, 06/21/2016 - 12:58

في إطار الاتفاق الموقع بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي قدم برنامج الاتحاد الأوروبي للمجتمع المدني والثقافة  PESCC دعما لجمعيتنا من أجل إنجاز المشروع المسمى مشروع التحسيس الوطني للتنمية المستدامة وحماية البيئة.

 

تنتمي موريتانيا إلى منطقة الساحل الأكثر تضررا من دورات الجفاف المتكررة منذ عام 1968. وجاء هذا الضغط المناخي ليضاف إلى الثورة الاجتماعية التي يعاني منها سكانهاـتلك الثورة التي تتميز على وجه الخصوص بشكل خاص بهجرة قوية لسكان الريفي إلى المدن - مما سبب تدهورا ملحوظاللبيئة وتغيرا كبير جدا في الظروف الاجتماعية والاقتصادية العامة، الشيء الذيعمقالتفاوت بين الناس.
ويعني الأمر جميع القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني. واستجابة للكوارث المتكررة الناتجة عن هذه الوضعية، تخصص الحكومة الموريتانية بانتظام جزءا من ميزانيتها لبرامج المساعدة السكان الضعفاء. هذا هو الحال بالنسبة للبرنامج أمل الذي حصل في عام 2012 على غلاف ماليأوليقدرها 42 مليارأوقيةو تمويل 12  دائري بمبلغ مليار أوقية سنويا، أيما يساوي تمويلا تراكميابلغ حوالي 78 مليار أوقية للفترة 2012 ـ 2015. ويتبع هذا البرنامج الاستعجاليبرنامجا سابقا من نفس النوع، يدعى "التضامن"، كلف، في عام 2011، تسعة ملياراتأوقية.ولكن هل تحل هذه التدخلات المشاكل الأساسية؟ بدءا بالتدهور المستمر، إن لم يكن المتسارع، للبيئة؟
يستنكر عدد من الخبراء"الإنهاء المستمر لحماية بعض الغابات المحمية"، "لاستغلالها في الزراعة المروية، وتتعرض موارد الأخشاب النادرةللاستغلال المفرط،وتنزع أشجار الأحزمة الخضراءوتحول إلى أحياء سكنية جديدة، وتقامالصناعات الملوثة، دون أي احترام للمعايير وحتى حظر استيراد السياراتالتي تجاوز عمرها ثماني سنوات [الإجراء الملموس الوحيد فقط تعتزم للمساهمة المقررة المحددة وطنيافي موريتانيا، ملاحظة من هيئة التحرير] قد أدى إلى نتائج عكسية لأن السائق الموريتاني يسير بسيارته القديمة-  إلى أبعد من التلوثالذي قد تسببه سيارة مستوردةتجاوز عمرها ثماني سنوات". وهكذا نستطيع تمييز فئتين رئيسيتين من المشاكل.
أولا: الاستغلال المفرط للموارد المتجددة - إزالة الغابات، الضغطالمفرط على الأراضي الصالحة للزراعة، والرعي الجائر والصيد الجائر، مما يسبب على وجه الخصوص، التصحر وتناقص التنوع البيولوجي، وهي ذاتها مشاكل ذات طبيعةمزدوجة: التسيير، من جهة، والحماية، من جهة أخرى، الأمر الذي يثير مسألة أكثر شمولية هي تقاسم الموارد بين الإنسان والطبيعة. ثانيا: تراكم النفايات، وهي حالة عولمة تحت مصطلح "أشكال التلوث"، تلك النفايات التي تغير أو تشوه أو تدمر وظائف النظم البيئية، محليا وعالمياعلى حد السواء.
لا نمو اقتصادي مستدام دون بيئة صحية؟
قبل المشاركون في الدورة حول القضايا البيئية في المؤتمر الاقتصاديالأفريقفي 29 تشرين أكتوبر 2010 الافتراض الأساسيبأن النمو الاقتصادي هو الهدف الرئيسي للسياسة الاقتصادية الكلية، وهووسيط المحاربة الوحيد، حسب رأيهم، ضد الفقر، ومع ذلك، فهويشكل مفارق. لقد أثبتت التجربة في كثير من البلدان أن  النمو الاقتصادي غالبا ما يؤدي إلى استخدام تعسفي للمواردوالتلوث، والفقرالمتزايد في نهاية المطاف. وهكذا تبدو الحماية والتسيير المستدام للبيئة متطلبات أساسية للنمو بالنسبةللعديد من المتخصصين.
ويعارض آخرون هذه الرؤية للنمو المتوازن، بنموذج، معاكس تماما، هوالنمو المتسارع ، مما يسمحبالتدهور البيئي الأولي، قبل استخدامدخل ذلك النمومن أجلتسييرمناسب للبيئة. لكننا رأينا، خاصة مع مأساة بحر آرال، الذي تم تجفيفه تقريبا للأغراض المسعورةللزراعة الصناعية، حيث تثقل العواقب المترتبة على هذا الاندفاع المتهور كاهل أضعف السكان، وخاصة صغار المزارعين الذينتعتمد إنتاجيتهمبشكل كبير على صحة النظم البيئية. فقد تأثرت كثيرا، على سبيل المثال، بالتغيرات المناخية. وكلما انخفضت هذه الإنتاجية، كلما حملت الضرورةعلى الممارسات البيئية السلبية، وفي نهاية المطاف، يتعرض المزارعون أنفسهم وأسرهم والمجتمع ككل، لتزايد التوترات الاجتماعية: ليس النموذج الحالي قابلا للبقاء على المدى الطويل، أو حتى على المدى المتوسط.  وكلماارتفعت نسبة الفقراء في بلد ما، كلما أثبتت هذه الحقيقة صحتها بشكل قاطع.
سياسية بيئية رجاجة
يبدو أن السلطات الموريتانية قد وعت على أهمية التسيير، المناسب والمشتركللمحتوىـثروة الموارد الطبيعية للبلاد - والوعاء - بيئتها - سواء لسكانها أو لتنمية اقتصادها. غير أن الإجراءات المتخذة في هذا الاتجاهترتطمبنقص المعلومات والتحليل بسبب تعقيد الظواهر البيئية، وكثرة عدد الفاعلين المعنيين وأهمية الرهانات المطروحة.
تم تعريف السياسة البيئية لموريتانيا في الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامةوخطة عملها الوظيفية: برنامج العمل الوطني للبيئة. إن هذه الأدوات المصادق عليها في عام 2006، تستهدف، في أفق عام 2015، وتماشيا مع الإطار الإستراتيجي لمحاربة الفقر، دمجا أفضل للبيئة ولمفهوم التنمية المستدامة في السياسات القطاعية. كما وقعت موريتانيا على العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحماية البيئة. غير أنه، من حيث الأساس بفعلنفس الأسباب المذكورة أعلاه، فإن تنفيذها، بل أحيانا "مجرد" دمجها في القوانين والنظم الوطنية، يظلان محدودين والتشاور حولهماقليل.
لنبين هذه النقطة.إن النصوصالتشريعية للحماية والتسيير المستدام للبيئة والموارد الطبيعية موجودة بالفعل، تتعلق أولا بمدونة البيئة (2000) والمرسوم المعلقبدراسة الأثر البيئي (2004، وروجع عام 2007).ومنذ ذلك الحين تم وضع عدة نظم أخرى لإدماج الانشغالات البيئية في السياسات القطاعية وإشراك السكان على نطاق أوسع (مدونة المياه، المدونة الرعوية، مدونة الغابات،تنظيم العقارات وأملاك الدولة، مدونة المعادن، مدونة الصيد،القانون المتعلقبالتسيير التشاركي للواحات، الخ). ويجري إعداد نصوص أخرى مثل مدونة البيئة البحرية. لكن الإطارالتنظيميلم ينفذ إلا قليلا. إنانعدام الرقابةالفعالة وضعف مواءمة النصوص - وخاصة تلك التي تعالج مع نفس الإشكالية - ونقص التنسيق بين العديد من الفاعلين المعنيين قد حدت من مداها العملي.
المخاوف
في النهاية، يظهر استعراض تنفيذ السياسات القطاعية والبرامج أن السياسات الحكومية قدفضلت التنمية الاقتصادية ولم تأخذ في الاعتبار بشكل كاف الروابط بين البيئة والفقر. وعلاوة على ذلك، فإن الثنائية بين الأهداف البيئية المعلنة وتلك المنجزة، حقيقية. وتتجلى هذه الوضعية في استمرار طرق استغلال للموارد غير فعالة وغير قابلة للاستمرار.وبإيجاز،فإن النقاش بين النمو المقاس والنمو الجامح يبقى مطروحا أكثر من أي وقت مضى: ففي موريتانيا وغيرها، من المرجح أن لا يميل السكانإلى الانشغال ببيئتهم إلا اعتبارا من مستوى معين من الثروة، بعد تأمين الاحتياجات الأولية والثانوية.
وهنا نواجه منافسة بين استنزاف مواردنا والاكتظاظ السكاني. ولكن عندما يكون هناك عدد من السكانيتجاوزونما تستطيع الأراضي التي يعيشون فيها تحمله، سيتعرض "الفائض" لخطر كبير في القضاء عليهبطريقة"طبيعية"، من المجاعات، على وجهالخصوص. إن الأراضي المستغلة بشكلمفرط تفقد خصوبتها، في حين تزيد احتياجات الناس - السكن والغذاء والطاقة... - بينما تتراكم أشكال التلوثفي الحدائق الكبرى الجديدة للإنتاج والاستهلاك التي هي المدن. هل سنصل، في الوقت المناسب، إلى هذا الحد الأدنى من وعي وضعيتنا، لتجنب الكوارث الاجتماعية، مع الأخذ بعين الاعتبار وبقوة تسيير بيئتنا؟ ومن الآن وفي كل يوم تصبح المسألة موضع الساحةوبشكل حاد على نحو متزايد.
مامادوتيام