عشرة أيام في كنف الحرمين الشريفين: اكتشف أشياء غير شائعة / الحلقة الثالثة

أحد, 07/17/2016 - 18:34

جهود جبارة تتوج تاريخا طويلا من اعتناء المسلمين بالحرمين الشريفين

محمد محمود ولد بكار

ـ الميزاب : يقع على الجهة الشمالية من الكعبة ويطل على حجر إسماعيل ،وضع لتصريف الماء عن الكعبة  وأول من وضعه قريش ، وفي زمن الوليد وضع والي مكة خالد بن عبد الله القسري صفائح من الدهب على الميزاب 91هـ وفي 1273 أرسل السلطان عبد المجيد خان العثماني ميزابا من الذهب واستبدله الملك فهد بن عبد العزيز سنة 1417 هـ ميزابا من الذهب الخالص طوله متران . وتحت الميزاب مظنة استجابة الدعاء .
ـ الشاذروان :وهي الحجارة المائلة الملتصقة بأسفل جدار الكعبة من الجهات الثلاثة  إلا جهة حجر إسماعيل  فليس من الشاذروان إنما هي عتبة من أصل الكعبة . يتراوح طول الشاذروان ما بين 68إلى77 سم وعرضه 54 إلى 52 سم وقد ثبتت عليه حلقات يشد بها حبال الكسوة ..وقيل أن الشذروانمن أصل جدار الكعبة على قواعد إسماعيل لكن قريش أنقصته ، وبناه عبد الله بن الزبير لحماية جدار الكعبة وقيل أن الطواف عليه أي مشيا عليه لا يجزئ لأنه من الكعبة  تماما مثل الطواف من داخل حجر إسماعيل  .
ـ الركن اليماني :وهو الركن الجنوبي للكعبة  وهو على قواعد إسماعيل وكان الرسول صلى الله عليه يستلمه  وعن إبن عمر عنه صلى الله عليه وسلم (( إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا ))
ـ الحطيم :وهو البنيان المكشوف  على نصف دائرة ويسمي حجر إسماعيل  إرتفاعه 1،32م وعرضه 1،55م وكان قعر العريش نحو 5،45  م  ولما بنيت قريش الكعبة أنقصوا جزءا من الكعبة من جهة الحطيم بقدر 3 أمتار .ولذلك لا يجوز الطواف من داخل الحطيم لأنه من الكعبة  كما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أحب أن أدخل إلى البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال (( صلي في الحجر إن أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت))  وفي الحجر قبر إسماعيل شبر ونصف وإلى جانبه على مسافة سبع أشبار فيما يلي الركن العراقي قبر أمه هاجر وعلامة قبرها رخامة صفراء مستديرة مقدار شبر ونصف .
ـ مقام إبراهيم : وهو أثار قدميه الشرفيتين على الحجر الذي كان يقف عليه أثناء بناء البيت وهم آية كما  ذكر القرآن (( فيه  ءايات بينات مقام إبراهيم )) بقاء هذا الأثر دون سائر الأنبياء ، وفي سنة 17هـ ـ 638 م  هطلت أ مطار غزيرة على مكة نتج عنها سيل اقتحم المسجد  فاقتلع مقام إبراهيم وذهب به فلما جف الماء وجدوا المقام في المسفلة فوضعوه بجوار الكعبة وكتبوا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  فجاء مكة معتمرا وسأل هل أحد عنده علم بمحل هذا الحجر ؟ فقال المطلب بن وداعة أنا كنت أخاف عليه بمثل هذا ، فأخذت قياسه من محله إلى الحجر فأجلسه عمر وقال له ابعث فأتيني بالقياس فأتى به فوضعه عمر في محله وهو به إلى الآن . ـ باب الكعبة : الأقوال كثيرة بشأن أول من وضع الباب قيل أنوش بن شيث وقيل جرهم وقيل تبع والمؤكد أن قريش جعلت بابا للكعابة طوله 11 ذراعا وكانوا يفتحونه يوم الاثنين والخميس فلما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة 8هـ  طلب المفتاح  الكعبة من عثمان بن طلحة وفتح الكعبة  ودخلها ولما خرج رد المفتاح لعثمان  وقال (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) صدق الله العظيم .وقال (خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينتزعها منكم إلا ظالم )واستمر المفتاح في أولاد شيبة إلى اليوم وعادتهم أن يكون المفتاح مع أكبرهم سنا .
ـ ويعد من الكعبة أيضا الركن العراقي ،الركن الشامي ، ستار الكعبة .
ـ الكعبة من الداخل :يغطي أرضية الكعبة من الداخل رخام أبيض ويحيط به شريط من الرخام الأسود، يغطي الرخام الوردي حائط الكعبة الداخلية بطريقة فنية دون أن يلامسه على طول 4 متر وتغطي كسوة خضراء بقية جدار الكعبة إلى السقف ، وبداخل الكعبة 3 أعمدة خشبية في وسطها يعلوها السقف يبلغ طول الواحد منها9 أمتار وقطره 44سم والمسافة بين كل واحد 3،35 سم وعلى الجدار المقابل من باب الدخول رخامة غامقة اللون تشير إلى مكان صلاته عليه الصلاة والسلام ، وعلى يمين الداخل درج يصل إلى سطح الكعبة مصنوع من الزجاج القوي يبلغ 50درجة عليه باب يسمى باب التوبة عليه ستارة أيضا وآخر تجديد له كان عهد الملك فهد إبن عبد العزيز .أما سطح الكعبة فهو مبلط برخام مربع الشكل 50في 50 سم .
كسوة الكعبة :تصنع كسوة الكعبة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ  باللون الأسود منقوش عليه عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، الله جل جلاله ، سبحان الله بحمده سبحان الله العظيم يا حنان يا منان ، ويوجد في الثلث الأعلى من الكسوة حزام مكتوب فيه بعض الآيات القرآنية محاط بإطارين من الزخارف الإسلامية ، ويبلغ طول الحزام 47 متر وعرضه 95 سم ، يستهلك الثوب الواحد 700 كلم من الحرير. تكلفة الكسوة 17 مليون  ريال وتكسى الكعبة كل 9 ذي الحجة من كل عام .وتحرم الكعبة يوم 7 من ذي الحجة فيطوي ( سدنة الكعبىة آل الشيبي )متران منها إلى أعلى وهو إعلان للناس بحلول اليوم السابع وهي إشارة للحجاج بأن يبدءوا حجهم ويقولون أحرمت الكعبة .وتغسل الكعبة مرتين كل سنة مرة في شعبان وأخري في ذي الحجة ، برعاية الملك أو من ينوب عنه فتغسل أرضها بماء زمزم ممزوجا بماء الورد  وتمسح أسفل جدرانها بعطر العود وعطر الورد ، ثم يوضع العود والند في مباخر فاخرة وتبخر بها عموم أطراف الكعبة .وتستغرق العملية 3 ساعات وغسل الكعبة سنة ففي عام الفتح غسل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون بماء زمزم من الداخل والخارج بعدما كسروا الأصنام وطمسوا الصور. المطاف: هو الفناء المكشوف الذي يسير عليه الطائفون حول الكعبة كانت أرضه من التراب وفي 91 هـ أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتبليطه  وخلال العصور الماضية بنيت فيه عدد من المباني مبنى بئر زمزم ، والمنبر ، ومبنى مقام إبراهيم ،والمحاريب الأربعة لكل مذهب من المذاهب الفقهية المشهورة وعندما إزداد عدد الحجاج أزيلت المباني وفي 1399 هـ أضيف إلى المطاف مساحات أخرىقريبة منه  تعرف بالحصاوي  وبلط بالرخام وأصبحت مساحته 17000 م مربع وجاءت توسعة فهد الضخمة هدمت البناء العثماني  والسعودي الأول بكامله .         ماء زمزم: ماء مبارك قامت به حياة الناس في مكة  فترة طويلة وغسل به قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وبارك فيه بريقه الشريف وعن بن عباس رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( خير ماء على وجه الأرض ، ماء زمزم، فيه طعام من الطعم ،وشفاء من السقم )   وعن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( ماء زمزم لما شرب له ).لقد شاء الله أن تندرس  معالم زمزم مدة طويلة حتى ولى عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم  سقاية البيت ورفادته فرأي في المنام أن هاتفا يأمره بحفر زمزم في هذا الموضع  فحفر البئر وظهر الماء .
الصفا والمروة : الصفا جبل صغير يقع أسفل جبل ابي قبيس في الجهة الجنوبية الشرقية من الكعبة ويبعد منها 130 متر ويبدأ منه المسعي . والمروة جبل صغير أبيض يقع في الشمالية الشرقية من الكعبة  ويبعد عنها حوالي 300 متر وهو متصل بجبل قيقعان وعليه ينتهي المسعي . والمسعي هو المسافة بين الصفا والمروة وطوله 395 متر وعرضه 40 متر ويقع الجبلان حاليا والمسافة الفاصلة بينهما  في المسجد الحرام .
المحجن : وهو الحفرة التي أمام الكعبة  وهي مصلي جبريل حين فرضت الصلوات الخمسة  وهي أيضا مكان استجابة الدعاء .
المسجد الحرام : كان المسجد الحرام منذ بناء الكعبة وحتى صدر الإسلام فناء كبير تتوسطه الكعبة  ولم يكن له جدار وكانت منازل أهل مكة محيطة به كأنها جداره وكانت مساحته عهد النبي بين 1490 إلى 2000 متر مربع وفي سنة 17 هـ  638 م اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدور التي كانت تلاصق المسجد فهدمها وفرشها بالحصباء وبني حائط على المسجد دون القامة  وقدرت توسعته ب 860 م مربع وفي سنة 26 هـ  جعل عثمان للمسجد أروقة يستظل الناس تحتها وقدرت توسعته ب 2040 م مربع وفي سنة 65 هـ قام عبد الله بن الزبير بعد بناءه للكعبة بتوسعة المسجد توسعة تستوجب أن يسقف جزء منه وقدرت ب 4050 م مربع ،وقد إشتهد الوليد إبن عبد الملك  على عمارة المسجد سنة 91 هــ ـ 709 م  عمارة متينة  ومحكمة فجلب أساطين الرخام من مصر والشام وجعل على رؤوسها الذهب والفضة وسقف المسجد بالساج المزخرف وجعل لها شرفات وجعل  في حائطه الطوقان ( العقود) وجعل في أعلى العقود الفسيفساء ، وكانت زيادته 2300متر مربع ، وفي سنة 137 هـ ـ 754 م امر الخليفة أبو جعفر المنصور العباسي بتوسعته وترميمه وزخرفته بالذهب والفسيفساءوتقدر زيادته ب 4700 متر مربع .
وفي سنة 160 هـ ـ 776 م وسع الخليفة المهدي العباسي الجهة الشرقية والشمالية والغربية ولم يوسع من الجهة الجنوبية  بسبب أنها كانت مجرى وادي إبراهيم وكانت تلك الزيادة 7950 متر ولما حج المهدي سنة164 هـ  أمر بتحويل مجرى سيل وادي إبراهيم ووسع المسجد من الجهة الجنوبية حتى صار مربعا والكعبة في وسطه وقدرت مساحة الزيادة ب 2360 م.
وفي سنة 281 هـ ـ 894 م أدخل المعتضد بالله العباسي دار الندوة في المسجد الحرام وهي دار واسعة في الجهة الشمالية وبنى فيها مئذنة وقدرت مساحتها ب 1250 متر مربع .وفي سنة 306 هـ ـ 1250 أمر المقتدر بالله العباسي بزيادة باب إبراهيم في الجهة الغربية من المسجد ب زيادة 850 متر مربع وفي عام 979هـ ـ 1571 م جدد السلطان سليم العثماني عمارة المسجد كاملا ولم يضف في مساحته شيئا وظل قائما حتي أزاحه الملك فهد ويعرف بالبناء العثماني .وفي عام 1375هـ ـ 1956 م بدأت التوسعة السعودية الأولى وشملت جميع الجهات وأضافت للمسجد مبني  جميلا يتكون من ثلاثة طوابق وفي هذه التوسعة بني المسعى لأول مرة وضمإلى المسجد الحرام وأصبحت مساحة المسجد الحرام 193000 متر مربع بزيادة قدرها 153000 متر مربع وأصبح يتسع ل 400000 مصلي بدلا من 90000 مصلي . وفي عام 1409 هـ ـ 1989 م أمر خادم الحرمين الملك فهد بتوسعة ىالمسجد الحرام من الجهة الغربية من باب العمرة إلى بال الملك عبد العزيز بمساحة تبلغ 76000 متر مربع  بزيادة 152000 مصل  وبلغت مساحة الساحات85700 متر مربع تكفي لإستيعاب 190000مصل وبذلك صارت المساحة الشاملة للسطح والساحات إلى 356000 متر مربع وتتسع لأكثر من مليون مصل.  أقام  الملك عبد الله إبن عبد العزيز وفي عام خلال عامي 1428 ، 1429 هـ  2009 ـ 2010م توسعة ضخمة شملت جهات عديدة من المسجد بناء المسعى وتوسعته إلى الشرق 20 مترا وإضافة دور 3 إليه فصار عرضه 40 مترا .وتوسعة الجهة الشمالية على 400 ألف متر مربع وتظليل الساحات الخارجية للمسجد وإنشاء 15000 دورة مياه وغيرها .
لقد تغاضيت عن كثير من التفاصيل في التوسعات  وكذلك تم عدم الحديث عن الأبواب والمآذن والخدمات ،خوفا من الإطالة على القارئ الكريم ،كما أن هناك الكثير من الملحقات والمنشآت والمصانع   لترقية وتطوير خدمات الحرمين الشرفين التي أسسها السعوديين خدمة للمشاعر ولزوار الرحمن ، يضيق الحديث عنها مصنع للبلاستيك  أكياس للأذية ولجمع القمامات ولكؤوس الشاي وللأحبال لتنظيم الصفوف في الساحات وتمنيمها عند نظافة الحرم ، حفاظات المياه بالآلاف ، مصانع للتبريد ، ولتعبئة ماء زمزم ، مصانع للفرش ، لكسوة الكعبة ، لطباعة المصحف الشريف ولكتب الأحكام الشرعية ، وغيرها .لكن الحقيقة الثابتة أن الأسرة المالكة  السعودية كانت عند حسن الظن وأكثر فيما يتعلق بعمارة الحرمين وتهيئة ظروف العبادة فيها بما يستحقانه من سكينة ووقار فجزاهم الله عن المسلمين  كل خير .
 

رمضان في الحرمين الشرفين
الأسرة المالكة والشعب السعوديين فرسا رهان خدمة للمشاعر وللصائمين  والقائمين و العاكفين وللركع السجود  فأكرم ما يكونون في رمضان وفي موسم الحج لا فرق بين فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وبين ملكهم وأميرهم وخادمهم ، تراهم يستعدون ويشمرون في وجه هذه المواسم وهم ينتظرون أمرا عظيما ، يعتزون بأن حباهم الله بهذه الفضيلة  وخصهم بهذا المقام و يفتخرون بأن بوأهم لهذه الحسنة .لا جدال ولا مراء وليس نفاقا ولا تزلفا ولا محاباة  في أنهم يتسابقون   للخيرات حتى إنهم ليضعون الماء البارد في قنينات صغيرة ذات فتحات ضيقة ينفثون منها رذاذا  في وجوه الناس أثناء الطواف في  مجابهة لفحات الشمس الحارقة إمعانا في التخفيف على المسلمين . في كل الأوقات يتوفر المسجدان على الماء البارد وكأنك تجلس في جوف نهر ، وبين كل مترين منضدة تحوي عشرات المصاحف من حجمين كبير ومتوسط  ، وأينما ذهبت تتبعك الحسنة لتصادف أمام كل خطوة أناس يوزعون المشروبات والحليب والمرطبات والتمور يعطون ولا ينتبهون ولا يهتمون لشكلك ، ولا يعبؤون هل كنت حصلت عليه أم لا ،  تراهم يتسللون بين الآلاف المؤلفة من البشر لكي يصلوا إلى أبعدها في سباق روحه الحسنة وتعظيم شعائر الله . لقد اعتادت الناس أن لا تأتي إلى الحرمين في رمضان وهي تحمل  أو ،تفكر في وجبة الإفطار حيث يتكفل السعوديين بذلك لملاين البشر وترى المنفقون وقد دخلوا إلى المسجد زمرا من بعد صلاة العصر ، تعرف كل جماعة موضعها المخصص لها في المسجد لتقسيم إفطارها ، يضعون السماط أو  ينشرون رداءات من البلاستيك أمام صفوف المصلين ويضعون عليها التمر والزبادي والخبز والشاي والقهوة العربية والماء ينشغل بعضهم بهذه المهمة بينما يبحث  الآخرين عن من يفطر إلى مائدتهم من القادمين إلى المسجد وترى عملية سباق كبيرة أبطالها جميع الأعمار من 7 سنة إلى 60 سنة ( يقول لك الواحد أخي تفطر معنا؟ ) وكم هي فرحة أحدهم حينما تستجيب له ، وكم هي السرعة التي سيعود بها حالما يسلمك لرفيقه  في منطقة إفطارهم ليفوز بغيرك , وعند الانتهاء من الصلاة بعد الإفطار إذا هم يوزعون الشاي والقهوة والتمر على الناس مجددا لكي لا يعود أحد بأي شيء مما جاء به ولكي لا يبقى أحد إلا وأصابه من ذلك شيء .الدولة السعودية نظمت المسجد وحددت ضوابط لطريقة وضع الموائد وكيفية رفعها لكي لا يتسخ المسجد ولا تتأذي الناس ،لكن لا دخل لها بطريقة إنفاق الناس هذا الإنفاق بطريقته هذه من فعل الناس أنفسهم ، فهناك من يأخذ بأفراد أسرته  في توزيع إفطاره ،وهناك من لديه مجال أوسع فيأخذ عمالا لذلك ويأتي بسيارة تحمل موائده، وعلى كل حال لا يوجد شبر إلا وقد استغله أحدهم لإفطار الصيام .في هذه الأثناء التي تعد من أوقات الذروة ،أي قبل صلاة المغرب تلوح  موجات من البشر تسد الأفق وهي قادمة إلى المسجد من كل الجهات ،  ويوجد على  أغلب الأعمدة التي تشغل ساحات المسجد  شريط من البلاستيك عبارة عن آلاف الأكياس لكي يضع فيه المصلين  النعال أثناء التواجد في المسجد ، وكم هو نشاط ذلك العامل الذي يسحب الكيس تلو الآخر لكي لا يخطاه أحد من الداخلين ، وترى في الجهات كلها الموائد وقد وضعت ويختلط العمال بالمارة بالأمن فلا تلاحظ أي نزاع ولا اختلاط في المهام ولا هرج ، الأمور تجري بانسياب وكأنه قدرها .بين آذان المغرب والإقامة 10 دقائق  يتم فيها الإفطار ورفع السماط بالسرعة التي لا تخل بالنظافة ونظام الصفوف ولا تعرقل من أداء الصلاة ، فيتعاون الجميع دون أن يقوم أحد من مكانه ، بحيث يتم جمع ما تبقى من التمر والخبز في أكياس يطوف بهم العمال على الناس ومن ثم يتم طي السماط على بقايا علف التمر والكؤوس الخاوية وصحون الزبادي وغيرها ويوضع في كيس ابلاستكي أخضر يحمل إلى عربة تقف في مكان مخصص لها في المسجد وهي عبارة عن كيس من الحديد له أربعة عجلات صغيرة يدفعه شخصان إلى خارج المسجد لتفريغه  عندما يمتلئ من تلك الأكياس  ثم يُعاد به إلى محله . عملية تنظيف المسجد والحفاظ عليه نظيفا طيلة الوقت عملية مضنية ومكلفة  بل تكاد تكون مستحيلة  لكن حوَلها الإصرار والصرامة والمواظبة  إلى عملية حتمية  لا مساومة ولا تهاون فيها ، بل وسهلة .الموائد في صحن المسجد تختلف عنها في خارجه ففي خارج المسجد تتضمن الموائد وجبات غذائية مثل الحساء واللحم والأرز والدجاج وفي داخل المسجد عبارة عن مرطبات وتمر حفاظا على رائحة المسجد ، ومع ذلك تجد الناس تتسابق لداخل المسجد ، الصائمون في الربوع المقدسة فترة الصيف يواجهون الشدة بسبب الحر وجفاف المناخ ، ومع ذلك لا تعتري الوجوه أي قترة رغم المشقة ( السخونة والسهر والمواظبة على الصلاة في المسجد)بل وتراها وكأن الرحمة تغسلها من وعثاء الصيام ووغدة الحر حتي عند المساء  .يطلق المؤذن حنحنة قبل الأذان تشعر الناس أن ساعة الإفطار قد أزفت ، وعند إطلاق الأذان فلن يكون بإمكان أحد أن يكرر ما يقوله المؤذن وبذلك يجد الأذان حريته في أن يملا المكان بلا منازع ، وتشعر حينها وأنت تعيش مع ذلك الصوت النقي الذي لا يخالطه سوى صدق المشاعر والممتلئ تقديسا وتكبيرا  في ذلك المناخ الرباني الهادئ وكأن شيئا  في خلجات نفسك يمضمض  جوارحك ويأخذك من فريضة إلى أخري طائعا قانعا ترجو رحمة ربك وتخاف عذابه . وتلاحظ وراء كل ذلك أن الرحمة أزلفت هنالك .  يملك ضعاف  المسلمين عناية خاصة في الحرمين فهناك أعداد كبيرة من السلالم الكهربائية وهناك سيارة صغيرة تحمل ثمانية أشخاص مع السائق لنقل المسنين والنساء في ساحات المسجد الواسعة وهناك أماكن مخصصة لهم بالنسبة للطواف والسعي .
يقع اختلاف في شكل الحرمين النبوي  والمكي  حيث تقع ساحات الأول في الخارج وتحيط به ،  بينما تقع  ساحات الثاني حول الكعبة، مع استثناء بسيط. استعملت الألوان الغامقة  في بناء الحرمين دون أن ينقص ذلك من جمالهما  شيئا ،ابتعادا على الألوان الزاهية والبهرجة لكي لا يشغل ذلك المصلين عن صلاتهم  ولا الطائفين عن طوافهم ، ودون أن يحجب  ذلك أيضا حجم الكلفة  فقد أبت الدنانير إلا أن تمد أعناقها . لقد قيد الله لهذه الأرض التي اختارها على  جميع الأرض وأسكنها قوما اختارهم على جميع الناس  لحمايتها وعمارتها ((فما وهنوا وما استكانوا )) فقد جعلوا شرع الله شرعهم وحكمه حكمهم رغم التحديات الكبيرة والمصاعب  الجمة والضغوط  الكبيرة والمخططات  الشريرة التي يواجهونها في سبيل ذلك 12، فظلت دولتهم ربوعا خالصة للإسلام لا شعارا أو عنوانا فقط ، كما في دول أخرى . وجعلوا مهمة تهيئة  المقدسات ونظافتها  والحفاظ على شروط العبادة فيها من طمأنينة  وأمن وأمان لسلامة المصلين و الحجاج والمعتمرين  والزائرين وسلامة المقدسات ذاتها،طريقهم وسمتهم ودلهم وديدنهم كابر عن كابر يتبادلونه أدوارا ومسؤوليات ليست لكبيرهم عن صغيرهم  ،يقع فيه الخلف على السلف كما يقع الحافر على الحافر. فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمون كل الخير، وأدامهم في تلك الأرض وعليها حتي تستمر الديار المقدسة على هذا الحال.