الفقر والبيئة في موريتانيا: ما هي العلاقات؟

أربعاء, 07/27/2016 - 14:17

في إطار الاتفاق الموقع بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي قدم برنامج الاتحاد الأوروبي للمجتمع المدني والثقافة  PESCC دعما لجمعيتنا من أجل إنجاز المشروع المسمى مشروع التحسيس الوطني للتنمية المستدامة وحماية البيئة.

 

في موريتانيا، كما هو الحال في معظم بلدان العالم الرابع ـ الثالث، فإن الخدمات التي توفرها النظم البيئية الطبيعية المحلية هي التي تساهم في قوت سكان الريف وفيتحسين ظروف معاشهم. وإن تردي تلك النظم البيئية، الناتج عن تدهور البيئة العامة على المستوى العالمي، ينعكس مباشرة في تدهور هذه الظروف المعيشية.
وتتفاقم هذه الوضعية بشكل أشد بسبب تزايد الضغط على الموارد المتجددة، مثل، على وجه الخصوص، الغطاء النباتي من قبل الماشية المكتظة، ذلك الضغط الذي تفاقم بصورة كبيرة، خلالنصف قرن من الزمن. إن التخلي عن النظم القديمة لمراعي الانتجاع، تحت الإدارة الفرنسية التي كانت، في الواقع، لا تعرف سوى القليل جدا عن الحقائق الاجتماعية والبيئية للبلاد، كان قد شكل، والحق يقال، العامل الحاسم في هذه الفوضى.
لقد أصبح تكاثف الفقر في حد ذاته مصدرا لتدهور البيئة المحلية، حيث سادت دوامة البؤس. كما زادتعوامل أخرى، مثل النمو الديمغرافي والتقري الفوضوي، تعقيد العلاقات بين الفقر والبيئة.وفعلا، تغير تجمعات السكان نوعية البيئية (من خلال التلوث الطبيعي) وتزيد نسبة انتشار وعمق وشدة الفقر (التلوث الاجتماعي). وفي الواقع، لا يثقل الفقر كاهل الفقراء فحسب، ولكنه أيضا يؤثر سلبيا على الاقتصاد الوطني ككل، من خلال التدهور البيئي العام. ففي الأرياف، يعيش الفقراء، عادة، في مناطق ذات بيئة هشة للغاية. وبسبب انعدام رؤوس الأموال، لم يعودوا يتوفرون بشكل طبيعي على وسائل الاستثمار في الطرق التقليدية للحفاظ على التربة والمياه. إن ندرة الأراضي التي تحتكرها مصالحخارج أراضهم، ترغمهم، علاوة على ذلك، على تقصير، بل إلى إلغاء، مدة استراحة الأرض الزراعية وعلى الاستصلاح المفرط لتوسيع مساحاتهم المزروعة. إن الممارسات الزراعية غير الملائمة، والمنافسة المشتدة بسبب قطع الأشجار من أجل الحصول على خشب الوقودأو البناء أو غيرهما من منتجات الغابات، تشكل عوامل إضافية لتدهور الغطاء النباتي. وبالتالي، تتقلص البدائل المتاحة لهؤلاء السكان الفقراء تقلصا كبير يوما بعد يوم.
وبذلك نفهم أن الروابط بين الفقر والبيئة، تأخذ أشكالا مختلفة حسب البيئة التي يعيش فيها الإنسان. وإذا كنا نجد في كل مكان إشكالية الماء المركزية، فإن مشاكل النفاذ إلى الموارد الطبيعية الأخرى مثل الأراضي والغابات ومصائد الأسماك واستخدامها المستدام حساسة تماما في المناطق الريفية. وفيالمناطق الحضرية، ترتبط على وجه الخصوص بالتلوث والصرف الصحي وتسيير النفايات، فضلا عن السكن.
ومع ذلك، فإن الترابط بين الاقتصاديات الريفية والحضرية، لا يزال، في نواح كثيرة، حيا وقويا،يتطلب سياسات موجهة ومتكاملة ومنسقة بين هذه وتلك في عملية التنمية
مبادرة الفقر والبيئة:  أداة متعددة الاتجاهات
لهذا السبب فإن دمج البعد البيئي في سياسات الحد من الفقر يشكل ورقة رابحة هامة من أجل تخفيف مستدامة، للمشاكل المرتبطة بالفقر. ومنذ عام 2007،  يقدم برنامج الأمم المتحدة للتنميةوبرنامج برنامج الأمم المتحدة للبيئةالدعم للحكومة الموريتانية في هذا الاتجاه، حول مبادرة الفقر والبيئة، في مرحلتها الثالثة حاليا. لقد تم إلحاقها مؤخرا بوزارة المالية، وتعمل على وجه الخصوص على بناء مؤسسات قوية قادرة على تسيير القضايا المتعلقة بالتسيير المستدام للموارد الطبيعية ومكافحة الفقر.
وتهدف هذه المرحلة الثالثة إلى تعزيز مساهمة التسيير المستدام للبيئة وللموارد الطبيعية في الحد من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل، من أجل تتجاوز أهداف الألفية للتنمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.  وتستهدف مناصرتها مزيدا من الأخذ في الحسبان للعلاقة بين الفقر والبيئة في التخطيط الاستراتيجي والميزاني في البلاد. ومن المعروف بالفعل أنه في البلدان النامية، يدفع ضعف الموارد المالية و/ أو سوء الحكامة تنمو إلى اعتبار حماية البيئة "نوعا من الترف" لا تستطيع هذه الدول الحصول عليه، ويتضافر هذان، العاملان لكي لا تطبق لقوانين أبدا إن وجدت. ويجب أن تساهممبادرة الفقر والبيئة في تغيير هذه الروح، من خلال تحسين الإطار الوطني للبرمجة والتخطيط لضمان نمو اقتصادي مستدام للسكان. وهكذا ينبغي أن يصبح استثمار الموارد الطبيعية واحدا منالرهانات الرئيسية لتنمية موريتانيا، على غرار الدول الأخرى في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
الاستثمار في مكافحة التصحر
يوجد حاليا في أفريقيا نحو أربعين مليون شخص يهددهم التصحر تهديدا مباشرا، وسوف يتضاعف هذا العدد خلال خمسة وعشرين سنة، إذا تواصل تزايد السكان بالوتيرة الحالية ولم تتخذ أية إجراءات صارمة لوقف تدهور الأراضي، وهذا الاتجاه يعززه عدم الاستقرار السياسي، والهجرة، وتقلبات أسعار المنتجات الزراعية، وقبل كل شيء، تغير المناخ. كما نلاحظ، علاوة على ذلك، أن الاستثمارات في الزراعة، بغض النظر عن مصدرها، تتناقص في جميع أنحاء القارة، منذ حوالي عشرين عاما. ومن المسلم به أن الاستثمار في الأراضي الجافة ليس مربحا اقتصاديا فحسب، ولكنه أيضا ضروري، على الصعيد الاجتماعي، إذا كنا نريد الحد من الفقر.
وبالإضافة إلى توفيرالتربة والنبات والماء والمواد الغذائية الضرورية للأنشطة الزراعية الرعوية، والاقتصاد، وبالتالي فإن النظم البيئية للأراضي الجافة تقدم خدمات لا تعد ولا تحصى للبيئة والمجتمع: احتجاز الكربون، من خلال تشجيع والتنوع البيولوجي النباتي والحيواني، المحميات الطبيعية، وتوفير المناطق الترفيهية والسياحية، وتحسين نوعية الحياة... كما تكتسي أهمية كبيرة، حيث تؤويأنواعا مختلفة خاصة.  وإن تدهورها يسبب كثيرا من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.  إن الوقاية من هذا التدهور واستعادة رأس المال الطبيعي لهذه المناطق يجب وضعهما في مصاف الأولويات الوطنية والدولية وإلا فسنوقع على فشل أهداف الألفية للتنمية: وهذا ما يظهر بشكل لا لبس فيه من التقييم الذي أجراه تقييم الألفية للنظم البيئية.
مامادوتيام