كتاب: يوميات غوانتانامو / للسجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي (الحلقات 76-80/ جريدة الأمل الجديد)

اثنين, 11/21/2016 - 06:38

كنت افكر ستشك الان الشرطة المحلية بالطائرة وسيقومون بتفتيشها انا محظوظ لاممي اخرق القانون بعبوري اجواء البلد بدون فيزا العبور وسيقومون باعتقالي ومن ثم ايداعي السجن وفي السجن سأقدم طلبا للجوء السياسي وابقى في هذه الجنة لن يستطيع الاردنيون قول شيء لانهم مذنبون بمحاولة تهريبي لذا كلما طال انتظار الطائرة اصبحت فرص اعتقالي اكبر.

كم كنت مخطئا وكم كان حلم اليقظة مريحا ذلك كان عزائي اوحيد حتى اتمكن من تجاهل الشر المحيط بي لقد انتظرت الطائرة بما فيه الكفاية حوالي الساعة ولكن لم يفتشها احد لم اكن موجودا على قائمة المسافرين التي قدمها الاردنيون للسلطات المحلية ولوهلة لمحت الشرطة ببزاتهم السود السميكة وهم يقتربون من الطائرة لكنهم لم يكتشفوا وجودي لاني كنت مقحما كشطيرة بين كرسيين وكان رأسي منخفضا الى الاسفل لذا بدوت ككيس صغير ةوما شاهدته قبل قليل ربما لم يكن سوى وهم خلقته جراء حاجتي الشديدة له.

عاد ............................. ومرافقه والطياران واقلعنا من جديد تبادل الطياران موقعيهما رأيت الطيار السمين يجلس امام .......................... كان عريض المنكبين بقدر طوله بدأ .......................... بحديث معه مع انني لم اسمع شيئا لكني افترض انه كان حديثا وديا بين رجلين ناضجين وهذا بالطبع امر جيد بدأ ..................... يتعب كالبقية وحده الحارس الشاب ظل يحدق الي بعينيه اللتين لا تطرفان ابدا وكان يوجه الي بعض الاوامر من مثل ابق رأسك منخفضا وانظر الى الاسفل ولكن كنت اتجاهل اوامره شعرت ان هذه الرحلة هي الاخيرة لي في الحياة فكرت بافراد عائلتي فردا فردا حتى ابناء وبنات اخواتي واخوتي كم قصيرة هي الحياة انتهى كل شيء في غمضة عين.

كنت اقرأ قرآني باستمرار في الضوء المعتم كان قلبي ينبض بقوة كما لو انه يريد ان يخرج من صدري بالكاد كنت افهم ما اقرأه من آيات قرأت من مائتين الى ثلاثمائة صفحة بدون وعي كنت جاهزا دائما للموت ولكني لم اتخيل انه سيكون على هذا النحو.

ارحمني يا رب لا اعتقد ان انسانا على وجه الارض البسيطة يلقى حتفه بالطريقة التي يتصورها نحن البشر نضع كل شيء في الحسبان عدا الموت نادرا ما يضع احدنا الموت على تقويه السنوي هل قرر الله مصيري مسبقا كي اموت في الاردن وعلى يد بعض اكثر الناس شرا في العالم لم اكن ابالي بالموت على ايديهم لانهم سيحاسبون امام الله هكذا كنت افكر.

حوالي الساعة الرابعة صباحا بتوقيت اغرينتش ................. ساد جو من الهدوء الكاذب على الرحلة بين قبرص ووجهتي المجهولة يبدو ان العصابة قد نال منها الارهاق بسبب الرحلة الطويلة يوم امس من عمان الى نواكشوط وهذه نعمة.

بدأت الطائرة تنخفض مرة اخرى وهبطت على ارض اجهلها اعتقد انه كان بلدا عربيا في الشرق الاوسط لاني لمحت على ما اعتقد لوحات اعلانية مكتوبة بالعربية من خلال النوافذ الصغيرة عندما سرقت نظرة سريعة من حارسي العفريت.

كان الجو لا يزال مظلما والطقس كان صافيا وجافا لم اجد اية علامة على الشتاء.

في هذه المرة لم ارغب بمجيء الشرطة وتفتيش الطائرة لان البلدان العربية تتآمر دائما مع بعضها بعضا ضد مواطنيها يالها من خيانة عظمى ومع ذلك فان أي تسرب للمعلومات لا يضرها لم اعط ولو ثانية واحدة لحلم اليقظة ذاك.

وبالرغم من اننا لم نمكث طويلا فقد جرت الاجارءات نفسها التي شهدتها في قبرص من ذهاب ......................... وطياريه في استراحة قصيرة والضجة المرافقة لتزويد الطائرة بالوقود ومن ثم طارت الطائرة باتجاه وجهتها الاخيرة عمان في الاردن لا اعتقد اننا سنتوقف مرة اخرى ولكني بقيت اخرج من الطائرة واعود اليها حتى وصلنا الاردن.

اكثر من تسعين بالمائة من الاردنيين مسلمون بالنسبة اليهم وبالنسبة لمعظم المسلمين في الشرق الاوسط يعد الصيام في رمضان من اكثر الطقوس الدينية اهمية والناس الذين لا يصومون يشجبهم المجتمع لذا نجد الكثير من الناس يصومون تحت الضغط الاجتماعي دون ان يكونوا مؤمنين بالدين في موريتانيا لا يتعرض الناس لذاك الضغط فيما يخص الصيام والصلاة.

تسخر. قال الحارس. اعتقد انني نمت قليلا.

كلا شكرا.

انها فرصتك الاخيرة لتناول شيء من الطعام قبل ان يبدأ الصوم.

لا لا احتاج.

هل انت متأكد؟

نعم ..................

هم بدأوا بتناول سحورهم يمضغون الضعام كالابقار استطعت سماع ذلك حتى والسدادات في اذني بقيت اختلس النظرات نحو النوافذ الصغيرة حتى شاهدت بزوغ الضوء الاول ايذانا بميلاد النهار.

............................................. اريد ان اصلي قلت للحارس.

تحدث الحارس مع ................... الذي امر بنزع السدادات عن اذني.

لا مجال للصلاة هنا عندما نصل سنصلي انا واياك معا قال ........................... شعرت بالراحة جراء هذا الكلام لانه اذا كان يصلي فهذا يعني انه مؤمن بالله وانه لهذا السبب لن يؤذي على الارجح اخا له في الايمان ولكن بدا انه لا يعرف حتى ابسط المعلومات عن دينه ينبغي اداء الصلاة في وقتها وبافضل طريقة وان تعذر ذلك ففي قلبك على الاقل لا يمكن تأجيل الصلاة الا للاسباب المشروحة في القرآن الكريم على اية حال الصلاة التي وعدت بها لم تتم قط مع الشيطان.

 

الفصل الرابع:

29 نوفمبر 2001 – 19 يوليو 2002

ضيافة اخوتي العرب... القط والفأر: اللجنة الدولية للصليب الاحمر ضد المخابرات الاردنية... اخبار سارة: محاولتي المزعومة لاغتيال الرئيس الموريتاني... مركز اللياقة البدنية: ما اعرفه يقتلني... عدالة غير عادلة.

.............................. حوالي الساعة السابعة صباحا بالتوقيت المحلي بدأت الطائرة الصغيرة تشق طريقها عبر فضاء عمان البارد والملبلد بالغيوم ثم سرعان ما هبطت واستقرت ساكانة كان جميع من كانوا في الطائرة يتوقون للخروج من الجحيم بمن فيهم انا.

انهض قال احد الحراس نازعا الاصفاد المعدنية التي كانت في يدي.

حررت وجلت صامت اقول لنفسي انظر انهم يتعاملون بود كانوا يريدون منك الا تقدم على خطوة حمقاء في الطائرة ها قد وصلنا ولا حاجة من الان فصاعدا الى الاصفاد والسدادات الاذنية كم كنت مخطئا لقد نزعوا الاصفاد لا لتحرير يدي منها بل لتقييدي من الخلف هذه المرة وضعوا سدادات اكبر للاذن وفوق كل ذلك غطوا رأسي حتى رقبتي بكيس بدأ قلبي يدق بسرعة فارتفع ضغط دمي الامر الذي ساعدني على الوقوف بثبات على قدمي بدأت اتمتم دعائي كانت هذه هي المرة الاولى التي يتم فيها التعامل معي بهذا الشكل بدأ سروالي بالنزول مني بسبب الضعف الذي اصابني حيث كنت بلا طعام فعليا منذ اسبوع.

سحبني جنديان جديدان بكل قوتهما الى خارج الطائرة ولدى وصولي الى السلم تعثرت به وكدت اسقط على وجهي لو لم يمسكني الحارس والسبب هو انني لم اكن ارى شيئا والحارس الغبي ايضا لم يعطني اية اشارة.

انتبهوا قال محققي المقبل ........................... للحراس حفظت صوته في ذاكرتي وعندما بدأ التحقيق معي فيما بعد ميزت صوته منذ ذلك اليوم عرفت الآن انني يجب ان انزل السلم حتى تلامس قدماي الارض فعلت ذلك وسط هراء شتائي قارس لم تكن ملابسي مصممة لطقس كهذا فملابسي رخيصة حصلت عليها من السلطات الموريتانية.

وضع احد الحراس قدمي داخل الشاحنة التي وقفت قريبة من الدرج الاخير للسلم حاصرني الحراس بينهم في المقعد الخلفي وبعدها انطلقت السيارة شعرت بالراحة كان الجو دافئا داخل السيارة وكان صوت المحرك هادئا شغل السائق الراديو بالخطأ فسمعت المذيعة بلهجتها الشامية وصوتها الناعس كانت المدينة تستيقظ رويدا رويدا من ليلة شتائية باردة وطويلة كان السائق يقود بسرعة ومن ثم يكبح المكابح على نحو فجائي ياله من سائق رديء لابد أنهم استأجروه لأنه سائق غبي كنت اتحرك الى الامام والى الخلف كدمية في سيارة تتحطم.

سمعت كثيرا اصوات ابواق السيارات كانت ذروة الوقت الذي يذهب فيه الناس الى العمل تخيلت نفسي في البيت في الساعة نفسها وانا استعد للذهاب الى العمل مستمتعا بيوم جديد فيهب النسيم البحري الصباحي من نوافذ سيارتي المفتوحة وانا في الطريق لاوصل ابناء اخوتي الى مدارسهم المحترمة كلما اعتقدت ان الحياة تسير لصالحك فانها تخونك.

بعد مسافة اربعين او خمس واربعين دقيقة من السواقة المؤلمة انعطفنا ودخلنا بوابة ثم توقفنا سحبني الحراس الى خارج العربة ارتعش جسمي من البرد في المسافة القصيرة التي كانت تفصلنا عن داخل المبنى عندما دخلنا تركوني بجانب سخان عرفت كيف هو شكل السخان مع ان عيني كانتا مغلقتين شعرت انه يشبه السخان الذي كان لدي في المانيا علمت فيما بعد من احد الحراس ان مبنى السجن بنته شركة سويدية.

لا تتحرك قال احد الحراس قبل ان يغادر مع زميله الغرفة التي خلت الا مني وقفت ساكنا بلا حراك بالرغم من ان قدمي كانتا بالكاد تحملاني وظهري كان يؤلمني جدا تركت هناك مدة تتراوح بين ربع ساعة وعشرين دقيقة الى ان جاء ................................. وامسك بقبتي من الخلف بشدة كادت تقتلني ثم دفعني .................... بقسوة صاعدا الدرج لابد أنني كنت في الطابق الارضي ودفعني الى الطابق الاول.

لسخرية الاقدار شاء العرب ان يكونوا اكثر الشعوب كرما على وجه الارض يجمع الاعداء قبل الاصدقاء على ذلك ولكن ما شاهدته هنا كان نوعا اخر من الضيافة العربية دفعني ...................... الى داخل غرفة صغيرة نسبيا فيها طاولة وكرسيان وشخص يجلس خلف طاولة قبالتي ................ حالما رأيته كان .............................................................................................................................................................

كان يرتدي كبقية الحراس .......................................... وقصة شعره كانت مرفوعة ومشدودة بامكانك ان تفهم انه كان يمارس هذا العمل منذ فترة طويلة اذ لم تكن هناك اية ملامح انسانية في وجهه لقد كره نفسه اكثر من أي شخص يمكن ان يكرهه.

اول شيء رأيته كان صورتان معلقتان على الجدار كانت الصورة الاولى للملك الحالي عبد الله والثانية لوالده المتوفى الملك الحسين ان صورا كهذه هي برهان على الديكتاتورية في عالم غير متمدن في المانيا لم ار أي شخص يعلق صورة الرئيس كنت ارى صورته فقط عندما كنت اشاهد الاخبار او عندما كنت اتجول اثناء الانتخابات حيث بامكانك رؤية مجموعة من صور المرشحين ربما اكون على خطأ ولكني لا اثق باي شخص يعلق صورة رئيسه او أي رئيس يفوز في الانتخابات بنسبة تفوق الثمانين في المائة انه لامر مثير للسخرية وعلى الجدار الآخر رأيت ساعة كبيرة معلقة كانت الساعة تشير الى السابعة والنصف صباحا.

اخلع ملابسك قال ............................... اذعنت لأمره وخلعت ملابسي ما عدا الملابس الداخلية لن اخلعها دون قتال مهما كان ضعيفا لكن ............................ ناولني بذلة زرقاء فاتحة ونظيفة ان الاردن متقدمة ماديا على موريتانيا بكثير وكل شيء في السجن كان متواضعا لكنه كان نظيفا وانيقا كانت هذه هي المرة الأولى التي البس فيها بذلة سجن في حياتي.

في موريتانيا لا توجد بذلات خاصة للسجناء لا لان موريتانيا بلد ديمقراطي بل لان السلطات كسولة وفاسدة للغاية ان البذلة علامة على التخلف في البلدان الشيوعية.

البلد الوحيد الذي يسمى البلد الديمقراطي ولديه هذه التقنية لاكساء المعتقلين ببذلات هو الولايات المتحدة وقد تبنت الاردن النظام الامريكي في تنظيم سجونهم مائة بالمائة.

كان الشاب الجالس وراء الطاولة سمينا بعض الشيء كان يتصرف كموظف ولكنه كان شخصا بغيضا.

ما اسمك ما عنوانك في عمان؟

لست من عمان.

من أي جحيم انت اذا؟

انا من موريتانيا اجبت.

كلا اعني اين تعيش هنا في الاردن؟

لا اعيش في أي مكان.

هل اعتقلوك بينما كنت تعبر المطار؟

لا يا حجي لقد اخذوني من بلدي للاستجواب لمدة يومين هنا عندكم ومن ثم سيعيدونني الى بلدي.

اردت ان اجعل الامر يبدو بعيدا عن الاذى قدر الامكان ثم قبل كل شيء هم الذين قالوا لي هذا في موريتانيا ولكني شعرت الآن ان ما سمعته كان محض كذب وحتى خيانة.

كيف تهجي اسمك؟

هجأت اسمي بالكامل ولكن بدا ان الرجل لم يكن حاصلا حتى على الشهادة الابتدائية كتب لااسم كما لو انه يكتب بالعيدان الصينية التي تستخدم في الاكل بدلا من الملاعق وبدأ يعبئ استمارة تلو الأخرى ويرمي بالقديمة في سلة المهملات.

ماذا فعلت؟

لم افعل شيئا.

انفجر الاثنان بالضحك.

آه مقنع جدا لم تفعل شيئا ولكنك هنا.

فكرت اية جريمة يجب أن اقولها لكي اقنعهم قدمت نفسي كشخص جاؤوا به من موريتانيا ليقدم معلومات عن اصدقائه.

اخبرني .......................... انه بحاجة الى مساعدتي قلت لهم ولكن حينئذ فكرت ياله من جواب سخيف لو قدمت المعلومات بحرية لكان بمقدوري تقديمها في موريتانيا لم يصدقني الحراس على اية حال أي مجرم يعترف بجريمته طوعا شعرت بالاهانة لان قصتي بدت كاذبة وغريبة.

في الفوضى البيروقراطية يأخذ ضابط قيادة السجن العملية في يده اخذ محفظتي الصغيرة ونسخ البيانات عن بطاقتي الشخصية كان ضابطا جادا في اواخر الثلاثينيات من عمره اشقر تماما قوقازي الشكل وذو وجه ناشف يبدو انه قد تزوج القضية.

خلال اقامتي في دار التوقيف والتحقيق رأيته يعمل ليلا نهارا وينام في السجن ومعظم الحراس ينامون في السجن.

انه يعمل ............................................................................................................................................ ونادرا ما يخرج من مبنى السجن كان يتسلل وينظر الي من خلال كوة الزنزانة في غفلة مني.

كان .......................................... واحدا ............... في ما يسمى الجيش العربي فكرت يا لها من حفلة تنكرية اذا كان هؤلاء هم حماتنا العرب فعلى الدنيا السلام ينطبق عليهم المثل العربي حاميها حرميها.

لمالذا ينادونكم بالجيش العربي سألت أحد الحراس فيما بعد.

لأننا نحمي العالم العربي برمته أجاب مفتخرا.

آه ذلك عظيم حقا.

لكني كنت افكر في قرارة نفسي بأننا سنكون في افضل حال لو أنكم تحموننا من انفسكم.

بعد الانتهاء من الاجراءات المتعلقة بي قيد ................................................. يدي خلف ظهري ووضع العصابة على عيني وامسكني كعادته من خلف قبتي دخلنا المصعد وصعدنا الى الطابق الثالث على ما اظن قادني ............................................ من خلال رواق انعطف مرتين ومن ثم وضعني وراء باب معدني ثقيل واغلق الباب بعد ان فك القيد عن يدي ونزع العصابة عن عيني نظرت الى ابعد ما استعطت فوجدت نافذة على ارتفاع يتراوح بين 8 و9 اقدام كانت صغيرة وعالية حتى لا يتمكن المعتقلون من النظر الى الخارج تسلقت ذات مرة ونظرت منها ولكني لم ار سوى الجدار الدائري للسجن كان السجن دائريا كانت الفكرة ذكية لانه حتى اذا ما تمكنت من الهروب من النافذة فانك ستنزل الى الميدان الشبيه بحلبة مصارعة رومانية المحاط بجدار اسمنتي يتراوح ارتفاعه بين 30 و40 مترا كان الجدار مقفرا وكئيبا ولكنه كان نظيفا كان يوجد سرير خشبي وبطانية قديمة وملاءة صغيرة هذا كان كل شيء اغلق ................... الباب وراءه بصوت عال تاركا اياي وحدي تتناهبني جحافل الخوف والتعب يا له من عالم مذهل لقد استمتعت بزيارة بلدان اخرى ولكن ليس بهذا القدر من الاستمتاع.

توضأت وحاولت ان اصلي واقفا ولكن لم يكن هناك مجال لذا اضطررت ان اصلي جالسا وبعد الصلاة زحفت الى السرير وسرعان ما اخلدت الى النوم ولكن النوم كان عذابا فما ان اغمضت عيني حتى هاجمني طيف الاصدقاء الذين سأسل عنهم في التحقيق حتما كانوا يريدون التحدث الي لم يكونوا يميزون بيني وبين الجحيم من الرعب المخيم عليهم استيقظت مرات عديدة وانا اتمتم باسمائهم كنت في وضع لا احسد عليه اذا بقيت يقظا قتلني التعب واذا نمت ارعبتني الكواليس الى درجة انني بت اصرخ في نومي.

ايقظني الحارس المناوب في الساعة الرابعة والنصف لتناول السحور كانت الوجبات تزوع من عربة تتجول في الممر بين الزنازين وبعد الانتهاء كان يأتي الطباخ مرة اخرى مع مركبته ليجمع الصحون الفارغة كان يسمح للسجناء ان يحتفظوا بكوب لديهم من اجل الشاي والعصير وعندما وصل الطباخ لاخذ طبقي لاحظ انني لم آكل الا القليل.

اهذا كل أكلك؟

بقدر ما احببت الطعام بذاك المقدار كانت حنجرتي تؤلمني وكان الاحباط والخوف سيدي الموقف.

نعم شكرا.

حسنا ما دمت تقول ذلك.

  لملم الطباخ طبقي بسرعة وابتعد بمركبته ذات العجلات الاشياء في السجن تختلف عما في البيت ففي السجن عندما لا تأكل ليست بمشكلة يقولون لك حسنا ولكن في البيت يحاول والداك وزوجتك باقصى ما لديهم من جهد ان يقنعوك حبيبي كل ايضا لقمة اخرى أو هل تريد ان اعد لك طعاما اخر أرجوك تناول طعامك من اجلي لماذا لم تقل لي ماذا تريد ان تأكل في كلتا الحالتين من المؤكد أنك لن تأكل المزيد في السجن لأنهم يرعبونك وفي البيت لانهم يدللونك وهذا ما يحدث ايضا عندما تكون مريضا اتذكر موقفا مضحكا عندما كنت اتألم من الوجع في معدتي.

انا مريض هل تستطيع ان تعطيني بعض الدواء؟

تبا لك ايها الطفل البكاء قال الحارس.

انفجرت ضاحكا لاني تذكرت حينها كيف تتعامل عائلتي حين تعلم اني مريض بعد ان سلمت قمامتي عدت لانام وما ان اغمضت عيني حتى شاهدت اسرتي في الحلم وكانت تنقذني من الاردنيين في الحلم كنت اقول لاسرتي ان ذلك كان مجرد حلم وهم كانوا يقولون كلا انها حقيقة انت في البيت كم كان حلما مدمرا لانني حينما استيقظت من النوم وجدت نفسي في تلك الزنزانة الصغيرة المظلمة ارعبني الحلم لعدة ايام اخبرتكم انه مجرد حلم من فضلكم امسكوني وامنعوني من الذهاب كنت اقول لهم ولكنهم لم يمسكوني ولم يمنعوني من المغادرة كان هذا حلما اما حقيقة وقعي فهي انني معتقل بشكل سري في سجن اردني واسرتي حتى لا تستطيع ان تعرف اين انا.

الحمد لله لقد اختفى الحلم بعد فترة ومع ذلك كنت استيقظ بين فينة واخرى وانا ابكي بحرقة بعد اختضاني اختي الصغيرة المحبوبة.

كانت الليلة الأولى في المعتقل الاردني هي الاسوأ على الاطلاق واذا ما تحملتها فعلى الارجح ستتحمل بقية الليالي كنا في شهر رمضان لذا كانوا يقدمون لنا وجبتي طعام احداهما مع غروب الشمس والاخرى قبل الخيط الأول من الفجرايقظني الطباخ وقدم لي وجبتي الباكرة ونسميها السحور انها بداية صيامنا الذي يستمر حتى غروب الشمس في البيت يكون السحور اكثر من مجرد وجبة طعام كانت اختي الكبرى توقظ الجميع واحدا واحدا ومن ثم نجلس معا ونتناول الطهام ونرتشف الشاي الساخن ونحن نستمتع بصحبة بعضنا بعضا اعدك يا امي بالا اشكو من طعامك بعد اليوم كنت اقولها صامتا في قرارة نفسي لم اتعود بعد على التوقيت الاردني لم يسمحوا لي ان اعرف الوقت والتاريخ ولكن بعد فترة حينما كسبت بعض الاصدقاء من بين الحراس صاروا يخبرونني كم هي الساعة كان علي ان اخمن الوقت هذا الصباح كانت الساعة حوالي الرابعة والنصف فجرا أي حوالي الواحدة والنصف بعد منتصف الليل عندنا في البيت تساءلت ما تفعل اسرتي الآن هل يعرفون أين انا؟ هل سيريهم الله مكاني؟ وهل سأراهم مرة اخرى؟ وحده الله يعلم بدت الفرص ضئيلة جدا.

لم آكل كثيرا في الواقع لم تكن الوجبة كبيرة قطعة خبز وقشطة الحليب وقطع صغيرة من الخيار ولكني كنت قد اكلت اكثر من اللازم في الليلة الفائتة.

كنت اقرأ القرآن دائما في العتمة لم استطع ان اتذكر واقرأه عن ظهر قلب لان عقلي لم يكن يعمل على نحو سليم وعندما اعتقدت ان الفجر قد حان بدأت اصلي وما ان انتهيت من الصلاة حتى بدأ المؤذن بالاذان فجر صوته السماوي الضعيف الناعس المبحوح في داخلي شتى انواع العواطف كيف يمكن لاولئك المؤمنين ان يقبلوا بوجد واحد منهم مدفونا في ظلام .................................................. دار التوقيف والتحقيق؟

...... يتواصل

نقلا عن يومية الامل الجديد