عن المآخذ اللغوية على الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدى (الحلقة الرابعة)

ثلاثاء, 05/09/2017 - 14:25
العلامة الشيخ إبراهيم يوسف الشيخ سيديَ

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
ـ الحلقة الرابعة:

ــ ومن المآخذ التى أخذت عليه أيضا: الجَلوُ، حيث جعله مصدرَ جلا الشىءَ يجلوه: إذا كشفه وأوضحه، وذلك فى قوله:
"لو خضت لجة قاموس وجدت به/ دُرّا جلاَ جلوَ مصباح الدجى السُّدَفا".
فقد أنكره عليه ابن محمدى أيضا.
والجواب أنه مصدر صحيح سماعا وقياسا. يقال: جلا الصبحُ ظلمةَ الليل يجلوها جَلْوا: إذا كشفها، وجلوْتُ السيف أجلوه جَلوا وجِلاء: إذا صقلته. 
ــ قال إبراهيم الحربىّ، فى غريب الحديث: "أَخْبَرَنِى أَبُو نَصْرٍ, عَنِ الْأَصْمَعِىِّ، يُقَالُ: جَلَوْتُ بَصَرِى بِالْكُحْلِ جَلْوًا". اهـ (1/118).
ــ وفى تهذيب اللغة للأزهرىّ:
"وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال:
جَلَوْتُ بَصَرِى بالْكُحْلِ جَلْواً... وجَلَوتُ عَنِّى هَمِّى جَلواً، إِذا أَذهَبته". اهـ (باب الجيم واللام:11/127).
ــ وفى جمهرة اللغة لابن دريد:
"جلوت السَّيْف وَغَيره أجلوه جَلْوا وجِلاء إِذا أزلت عَنه الصدأ...
وجلوت الْهم جلوا: أذهبته. قَالَ الراجز:
(يَا هِنْد قد نجْلو الهموم جَلْوَا/ (ونمنع الْعينَ الرُّقادَ الحُلوا ) 
وجلوت بَصرِى بالكحل جَلْوا". اهـ (ج ل و).
ــ وفى كتاب الأفعال لابن القطاع: ""جلا" العين بالكُحل جَلْوًا". (1/189). 
قلت: ومعناه: نوّرها، وصقَلها بالإثمد، ليذهب عنها ما قد يعلوها من رمد أو غشاوة.
ــ وفى المخصص لابن سيده: "أَبُو زيد، الجَلاَ: الكُحْل، لأنَّه يَجْلُو العيْنَ، وَقد جَلَوْت بِهِ عَيْنِى جَلْواً وجِلاء". اهـ (باب الكحْل والمِيل).
ــ وفى المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده أيضا:
"وجَلاَ الأمرَ، وجَلاَّه، وجَلَّى عَنهُ: كشفه وأظهره. وَقد انجلى، وتجلَّى.
وَأمر جَلِىّ : وَاضح.
وجَلا السَّيْف والمِرآة وَنَحْوَهمَا، جَلْوا، وجِلاء: صقلهما.
وجلا عينَه بالكُحْل جَلْواً وجِلاَء.
والجَلا: الكُحل، لِأَنَّهُ يجلو الْعين، قَالَ المتنخل الْهُذلِيّ:
وأَكْحَلْك بالصاب أَو بالجلا ... ففَتِّحْ لكُحْلك أَو غمِّضِ".
(7/548).
ــ وفى اللسان: "وجَلَوْتُ عنى هَمِّى جَلْواً إِذا أَذهبته". اهـ (جلو).
ــ وفى التاج ممزوجا بمتن القاموس: "(و) جَلا الصَّيقلُ (السَّيفَ والمِرْآةَ) ونحوَهُما (جَلْواً) بالفتْح، (وجِلاءً) بالكسْرِ: (صَقَلَهُما). 
(و) مِن المجازِ: جَلا (الهَمَّ عَنهُ) جَلْواً: (أَذْهَبَهُ).اهـ (جلو). 
فهذا كلام أشهر معاجم اللغة العربية وأصحها، وأيضا تقدم قول الراجز:
(يا هند قد نجلو الهموم جَلْوا...) ـــ أنشده ابن دريد فى جمهرته. وبالله التوفيق.
***
تنبيهان: 
الأول: ليس مما نحن فيه ــ بداهة ـــ : الجَلوُ ـ بمعنى التفرق عن البلد. يقال: جلا القوم من المكان جَلْوا وجَلاء بالفتح: إذا تفرقوا. 
قال فى التاج، ممزوجا بنص القاموس: "و(جَلاَ القَوْمُ عَن المَوْضِعِ)، وَفِى الصّحاحِ: عَن أَوطانِهم؛ زادَ ابنُ سِيدَه: (وَمِنْه) (جَلْواً وجَلاءً، وأَجْلَوْا): أَى تَفَرَّقُوا)". اهـ (جلو).
قلت: ومن الجَلاء قولُه تعلى: (ولولا أن كتب الله عليهم الجَلاء لعذبهم فى الدنيا...) الآية.
الثانى: يكثر اللحن، فى هذا العصر، بفتح الجيم، من قوله صلى الله عليه وسلم، فى الدعاء، من حديث ابن مسعود رضى الله عنه: " ...أن تجعل القرآن ربيع قلبى، وجلاء حزنى، وذهاب همّى..."، إذ الصواب بكسرها، كما تقدم فى صدر هذه المقالة. والحديث أخرجه أحمد وابن ابى شيبة والبزار وأبو يعلى...، وصححه الحاكم وابن حبان.
***
ثم إن هذا المصدر مقيس ــ كما سيأتى ــ وإن لم يذكروه. فكيف، وقد نطق به بعض رُجّاز العرب، ونصت عليه المعاجم، كما رأيت.
وبيان كونه مقيسا أن فَعْلا بفتح الفاء وسكون العين هو قياس مصدر المتعدى من الثلاثىّ: فعَل بالفتح، وفعِل ـ بالكسر، كما هو معلوم.
قال أبو عثمان المازنىّ فى تصريفه:
"وقال الخليل فى مصدر بنات الثلاثة التى تُعَدَّى: إن أصلها: "فَعْل" نحو "ضرب ضربا، وقتل قتلا", وجعل ما خالفه ليس بأصل لاختلافه".اهـ
وشرَحه أبو الفتح ابن جنىّ فى المنصِف بقوله:
"إنما كان الأصل فى مصادر بنات الثلاثة المتعدية عند الخليل "فَعْلا"ــ بعد كثرته فى السماع ــ لأن كل فِعل ثلاثىّ، فالمرةُ الواحدة منه "فَعْلَة"، نحو "ضربته ضَرْبة، وقتلته قَتْلة، وشتمته شَتْمة".
فكأن قولك فى المصدر "شَتْم، وقتل، وضرب" إنما هو جمع فَعْلَة, نحو: "تَمْرَة وتَمْر، ونخلة ونخل؛ لأن المصدر يدل على الجنس، كما أن التمر والنخل يدلان على الجنس, "فضربة" نظيرة "تمرة"، و"ضرب" نظير "تمر".
وقوله: وجعل ما خالفه ليس بأصل، يعنى: بقية مصادر بنات الثلاثة، نحو "الركوب, والظلم والإتيان"، فهذه ونحوها مصادر المتعدية, ولا تطّرد اطراد القتل والضرب؛ لأن فَعلا لا يمتنع من جميعها، فهو الأصل, وعليه مدار الباب.
قال أبو علىّ: وهذا التشبيه من أبى عثمان "عَجَب من العَجَب", وهو كما ذكَر". اهـ (178 ـ 179).
ومن هذا النص نسجل خمس كلمات فى منتهى الأهمية، وهى قوله:
أـ "مع كثرته فى السماع".
ب ــ "بقية مصادر بنات الثلاثة... لا تطرد اطراد القتل والضرب"؛
ج ـ "لأن فَعلا لا يمتنع من جميعها"؛
د ـ "فهو الأصل"؛
ه ـ "وعليه مدار الباب".
وهذا الفهم العميق لمحورية فَعْلٍ مصدرا للثلاثىّ المتعدى هو الذى جعل الفراء يجيز هنا القياس، وإن لم يَرِد سماع، كما سيأتى قريبا. فلو فُرض أن "جلوا" لم يسمع عن العرب مصدرا لجلا، فظاهر مذهب الفراء جواز استعماله. كيف وقد نطقت به العرب، كما نقلناه من قول الراجز، حسب ما فى جمهرة اللغة لابن دريد، فضلا عن توارُد المعاجم الكبرى المعتمدة المشهورة على التنصيص عليه.
فثبت بهذا صحة استعمال "جلو" سماعا وقياسا، بلا نزاع.
ويقول ابن يعيش فى شرح المفصل معززا تأصُّلَ (فَعْلٍ) واطِّرادَه فى هذا الباب:
"فجميع مصادر الثلاثىّ اثنان وسبعون مصدرًا، وجميع أبنيتها اثنان وثلائون بناءً، على ما ذكر.
والأصل منها فيما كان متعدّيًا "فَعْلٌ" بفتح الفاء، وسكون العين، نحو: "ضَرْبٍ"، و"قَتْلٍ"، وعليه مَدارُ الباب، وما عداه ليس بأصل لاختلافه، وطريقُه أن يُحْفَظ حِفظًا، وإنّما قلنا ذلك: لكثرة "فَعْل" فى الثلاثىّ، واطراده فيما كان متعديًا منه..."(4/52). 
ولا يخفى تطابقه مع كلام ابن جنّى أعلاه، ولا عجب، فهما جبلان فى علم التصريف، ولكل منهما شرح نفيس على أهم كتبه العتيقة.
وإلى اطراد القاعدة المذكورة الإشارةُ بقول ابن مالك فى الخلاصة:
(فَعْلٌ قياسُ مصدر المُعَدَّى/ من ذى ثلاثة كردّ ردّا).
قال العلامة ابن قاسم المرادىّ النحوىّ فى توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك:
"شمِل قوله: "المعدَّى من ذى ثلاثة" فعَلَ وفعِلَ, فقياس مصدرهما فَعْلٌ ــ بفتح الفاء وإسكان العين ــ نحو: ضرَب ضرْبا، وفهِم فهما، وظاهره أنه مقيس فيهما بلا قيد، وقيَّد الفَعْل لمكسور العين، فى التسهيل، بأن يُفْهِم عملا بالفم، نحو: شَرِب شَرْبا, ولقِم لَقما.
ولم يقيده سيبويه و الأخفش, بل أطلقا.
"تنبيه":
اختُلف فى معنى القياس هنا، فقيل: إنما يقاس على فَعْل فيما ذكر، عند عدم سماع غيره، فإن سُمِع غيرُه وُقِف عنده، وهو مذهب سيبويه والأخفش.
وقيل: يجوز القياس مع ورود السماع بغيره، وهو ظاهر قول الفراء". اهـ (2/862).
فقولُ الأشمونىّ: "والمراد بالقياس هنا أنه إذا ورد شىء، ولم يُعلم كيف تكلموا بمصدره، فإنك تقيسه على هذا، لا أنك تقيس مع وجود السماع، قال ذلك سيبويه والأخفش"، ــ (2/232) ــ صريحٌ فى أنه قولُهما، وليس قولَ جميع علماء العربية، وإن كان قولَ جمهورهم. فيبقى فى المسألة رأيان:قولهما، وقول الفراء ومن وافقه.
وقد رد ابن عقيل على من منع القياس هنا، فقال: "الفعل الثلائىّ المتعدى يجىء مصدره على فَعْل قياسا مطردا، نص على ذلك سيبويه فى مواضع؛ فتقول: رد ردا، وضرب ضربا، وفهم فهما.
وزعم بعضهم أنه لا ينقاس، وهو غير سديد". (2/123).
قلت: إن كان مراد هذا الزاعم أنه لا ينقاس مطلقا، فهو غير سديد، وإن كان مراده أنه لا ينقاس مع وجود سماع ٍ بغيره، فهو الذى ذهب إليه سيبويه والأخفش والجمهور، وخالفهم الفراء. 
وعلى هذا الاحتمال الثانى يكون ابن عقيل قد نحا منحى الفراء. والله أعلم.
وفى همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطىّ:
(يَطّرِدُ لِفَعَل) بِالْفَتْح (وَفعِل) بِالْكَسْرِ حَالَ كَونهما (متعديَيْن (فَعْلٌ) بِالْفَتْح والسكون، صَحِيحا كَانَ، كضرب ضربا، وَجَهِل جهلا، أَو مُعْتَلًّا :كوعد وَعدا، وَبَاعَ بيعا، وَقَالَ قولا، وَرمى رميا، وغزا غزوا".اهـ (3/322).
وذهب ابن الحاجب فى شافيته، والرضىّ فى شرحه عليها إلى أن مجىء فَعْلٍ مصدرا لفَعَلَ المفتوحِ العيْن المتعدِّى هو الغالبُ والأكثر؛
يقول ابن الحاجب:
"الْمَصْدَرُ: أبْنِيَةُ الثُّلاَثِىِّ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ، نَحْو: قَتْلٍ، وَفِسْقٍ، وَشُغْلٍ، وَرَحْمَةٍ...إلخ، إلى أن قال: "إلاَّ أنَّ الْغَالِبَ فى فَعَلَ اللاَّزِمِ نَحْوُ: رَكَعَ، على ركوع، وفى المتعدى، عَلَى ضَرْبٍ ... وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا جَاءَكَ فَعَلَ مِمَّا لَمْ يسمع مصدره فاجعله فَعْلا للحجاز، وفعولا لِنَجْد".اهـ.
قال شارحها الرضىّ الأستراباذىّ: "الأغلب الأكثر في غير المعانى المذكورة أن يكون المتعدى على فَعْلٍ من أىّ باب كان، نحو قَتَلَ قَتْلاً، وضَرَبَ ضَرْباً، وَحَمِدَ حَمْداً، وفعَل اللازم (على) فُعُولٍ، نحو دَخَلَ دُخُولاً...
قوله: "قال الفراء: إذا جاءك فَعَل َمما لم يُسمع مصدره "يعنى: قياس أهل نجد أن يقولوا فى مصدر ما لم يسمع مصدره من فَعَلَ المفتوحِ العين: فُعُول، متعدياً كان أو لازماً، وقياس الحجازيين فيه: فَعْلٌ، متعديا كان أوْ لا، هذا قوله، والمشهور ما قدمنا، وهو أن مصدر المتعدى فَعْلٌ مطلقاً، إذا لم يُسمع، وأما مصدر اللازم فَفُعُولٌ من فَعَلَ المفتوح العين". اهـ (1/151 ــ 157).
ويقول ناظمها:
(ويغلب الْمصدر بالفُعـــــــــــــــــول/ فِى فعَل اللَّازِمِ كالدخـــــــــــــول
وَفِى المعدَّى مِنْهُ فَعْلٌ غلبا/ كالضرب وَالْقَتْل ووعْد وجبـــــا...
وَقَالَ فراء: إِذا جَاءَ فعَـــــلْ/ لم تدر مَا مصدرُه لَدَى الْمحلّْ
فاجعله للنجد على فُعول/ وللحجاز الْفَعْل بالمعمــــــــــــــول).
ونحا نحوهما صاحب إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك إبراهيمُ بن محمد بن أبى بكر ابن قيم الجوزية، حيث قال:
"الفِعل الثلاثىّ مصادره كثيرة، ولم يطرد منها شىء، ولكن غلب فى بعضها أبنيةٌ أشار المصنف إليها، ومراده بالقياس: قياس الغلبة، لا قياس الاطراد.
فمن ذلك: "فَعْل" مفتوح الفاء، ساكن العين، ويغلب فى المتعدى منها، سواء كان على (فَعَلَ) وهو الأكثر، كـأكل أكلا، وضرب ضربا، وردّ ردّا، أو على (فَعِلَ) كـفهم فهما، وشم شما، إذ أصله: شَمِمَ". اهـ (1/540).
قلت: وكونه مطردا مقيسا هو الأوْلى، لما تقدم.
وكل ما قررناه من ذلك فهو معلوم ـ بداهة ـ عند من لهم إلمام بلامية الأفعال، أو الخلاصة، من طلبة العلم ببلدنا، فلا فائدة فى الاستكثار من النقول الدالة عليه، لوضوحه، واشتهاره.
ولو طفِقنا ننقل من مدونات علم العربية ما يشهد لهذه القاعدة لجاء ذلك فى مجلد كبير.
مع أن البحث فى تفاصيل أحكام المصادر الثلاثية وأنواعها، وفى مفهوم القياس، فى هذا الباب، أو غيره، عند علماء النحو والتصريف، ليس مما يعنينا فى هذا المقام. 
وفى الذى أوردنا من ذلك كفاية ومقنع. 
ثم إننا لا نحتاج فى خصوص هذه الكلمة ـ بالذات ـ إلى ذكر الخلاف فى أصل استعمال القياس فى هذا الباب، فلا يضرنا اختلاف النحاة فى ذلك شيئا، لأن الكلمة مسموعة عن العرب، والمعاجمُ بها طافحةٌ.
وإنما ذكرنا هذا الطرَف من البحث، للأمانة العلمية، وللإفادة معا.
وبكل ما تقدم يتبين لك صحةُ قول الشيخ: (جَلْوَ مصباحِ الدجى السُّدَفا) ــ سماعا وقياسا.
والله على ما نقول وكيل. وهو الموفق لا إله إلا هو.
***
ذلك، وقد جاء فى الوسيط فى تراجم أدباء شنقيط لابن الأمين العلوىّ، أن ابن محمدى انتقد على الشيخ سَيِّدى محمد هذه الكلمة، وأنشد البيت... 
ثم قال:
"فإن جلا مصدره جِلاء، لا جَلْوٌ، وهذا غير صواب". اهـ (247). فقوله: "فإن جلا مصدره جلاء، لا جَلو: من كلام ابن محمْدِى الذى نقله عنه صاحب الوسيط. وأما قوله: "وهذا غير صواب": فردٌّ من صاحب الوسيط على ابن محمدى، فيما يظهر لى. والله أعلم.
لكن جاء فى الوسيط من فائية ابن مُحَمْدِى الجوابية ـ ما صورتُه:
"... / وقال: جلوى، وجلوا ثمّ ما أُلِفا"!
فأقول: أما جلوى بالألف المقصورة، على وزن فَعْلى، فلم ترد فى قطعة الشيخ سيِّدى محمد المشار إليها، بل ولا فى ديوانه الشعرىّ إطلاقا، والذى فى القطعة المذكورة هو ما قدمناه، ونصه مرة أخرى:
(لو خضت لجَّة قاموسٍ وجدت به/ دُرًّا جلا جَلْوَ مصباحِ الدجى السُّدَفا). 
فقوله: (جلْوَ): مضاف إلى المصباح، وهو مفعول مطلق من لفظ فِعله، ـ وقد جاء فَعْلا مصدرا على القياس ـ كما تقدم، فليس بعد لام الكلمة ـ وهى الواو ـ ياءٌ، ولا ألفٌ، إذْ من المحال أن يكون بعدها ــ هنا ــ مدّ، لفساد الوزن بذلك ـ بداهة.
ولو أنه كان من ذلك شىء لكان الانتقاد فيه إلى الوزن أسرع منه إلى اللغة، ولكان العاب فيه أشنع. ومن المستبعد أن يصدر ذلك من صغار طلبة ذلك الرعيل، فضلا عن بزله القناعيس.
وأما التفرقة بين كتابتها فى الموضعين من البيت فى النسخة المطبوعة من الوسيط: (جلوى، وجلوا) ـ هكذا ـ فعسى أن يكون الخطأ فيهما معا من الطابع.
وكلام صاحب الوسيط الذى عقب به إنما هو فى جلوٍ، لا فى جلوى، مما يدل على ما رجحناه من الخطإ الطباعىّ.
والذى نطق به الشاعر، وخطه بيمينه،و عليه مدار كلامنا فى هذه المقالة هو جلوٌ، لا جلوى.
إذ أن جلوى ـ بوزن فَعْلَى ـ لم ترد فى هذا النص أصلا ـ كما أسلفت ـ ولا وجه لها لغة، ولا وزنا، ولا معنى. فجلوى ـ حسب ما فى كتب أنساب الخيل، والمعاجم ـ علَمٌ على أفراس مشهورة، لا داعى لذكرها ولا ذكر أصحابها، وغاراتها، وأيامها، وما قيل فيها من الأشعار.
وهى أيضا علَم على قرية معروفة.
ولعل ابن محمدى ـ وهو اللغوىّ الضليع ـ إنما قال:
(وقال: جَلْوًا، وجلوٌ ثَمّ ما ألِفا). 
هذا هو الذى يظهر لى فى ضبط هذا المصراع. ولم يسبق لى أن رأيت النص مخطوطا، ولا قرأته أيام الطلب على عالم، ولا كان من عادة أهل بيتنا أن يُطْلِعوا الأصاغر على ما يحسُن طيُّه. 
لذلك لا أدّعى أنى أصبت المَحَزّ فى ضبطه.
فلعل العلامة النحرير اباه ولد عبد الله يتحفنا بالرواية الصحيحة له.
لكن أخشى أن لا يفعل، لكرمه، ونُبل أخلاقه. فلو كنت سائلَه عن غير ذلك من روائع المديح وعيون المراثى، أو عن مشكل فى بيت قديم، لشَأَى كل مجيب، ولقطع بيانه قول كل خطيب. لكنه لن يأبى ـ على كل حال ـ عن بيان ما يراه فى تفسيرى لقول صاحب الوسيط: "وهو غير صواب". وبالله التوفيق.
***

مواضيع ذات صلة:

عن المآخذ اللغوية على الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدى (الحلقة الأولى)

عن المآخذ اللغوية على الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدى (الحلقة الثانية)

عن المآخذ اللغوية على الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدى (الحلقة الثالثة)