محمد بوي أكيه يكتب هل يشرع لكل دولة رؤيتها؟

جمعة, 07/08/2022 - 08:27

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده ..
عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ
لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
كل القائلين  بحديث كريب عند مسلم يعلمون أن فيه الحقائق التالية ، 
1ـ أن بعد المسافة في كل اتجاه من  مكان الرؤية هو وحده المعتبر . 
 2 ـ أن الإمام لم يعتبر مخالفيه من رعيته في الرؤية كالخارجين عليه  و لم يعتبرهم العلماء خارجين عن الطاعة . 
3 ـ أن الدولة  الواحدة يجوز أن تتعدد فيها الرؤية  إذا تباعدت  الأماكن المرئي فيها الهلال كما بين المدينة و دمشق . 
4 ـ أن رؤية الإمام نفسه لا تلزم من رعيته إلا من كانت بلداتهم في  كل اتجاه على مسافة  أقل من المسافة بين المدينة و دمشق . 
5 ـ أن البلد المعني في حديث كريب هو البلد البعيد  عن مكان الرؤية  بالمسافة المذكورة سواء داخل دولة واحدة أو عدة دول . 
6 ـ أن إسقاط حديث كريب على البلد بالمعنى السياسي الذي أحدثه  الأوروبيون في بلاد المسلمين قد أدى عمليا إلى إلغاء اعتبار المسافة التي عليها مدار حديث كريب ، فلجنة الأهلة في نواكشوط تقرر ثبوت رؤية الهلال برؤية عدلين من أهل فصالة نيرة ، و المسافة بين فصالة نواكشوط أبعد من المسافة بين المدينة و دمشق و لا تقرر  ثبوت  رؤيته  لأهل مدينة روصو موريتانيا برؤية عدلين  من أهل مدينة روصو سينغال  مع أنهما في الواقع بلدة واحدة فصل بين طرفيها الحد الذي وضعه الأوروبيون ، و لجنة الأهلة في الرياض تقرر لأهل مدينة جدة ثبوت رؤية الهلال برؤية عدلين  من أهل الدمام مثلا ، و المسافة بين جدة و الدمام أبعد من المسافة بين دمشق و المدينة المنورة ، و لا تقرر  لأهل القرى في جنوب منطقة عسير ثبوت رؤية الهلال برؤية عدلين من أهل القرى الحدودية اليمنية الشمالية المحاذية  لنفس  القرى  العسيرية المرتفقة معها بنفس المرافق الرعوية و المائية والمتداخلة معها مجتمعيا و ثقافيا  وكذلك تفعل لجان الأهلة في جميع الدول الإسلامية فكل واحدة منها تثبت الرؤية في المسافة التي ألغى بها حديث كريب رؤية معاوية ومن معه من الصحابة  و التابعين ، إذا كان بلد الرؤية داخل  الحدود التي و ضعها الأوروبيون بين المسلمين ، و تلغي رؤية العدول في المسافة التي لا تتجاوز مترا واحدا أحيانا أو  أمتارا قليلة أحيانا أخرى إذا كان أولائكم العدول وراء الحدود  ، ومن البديهي أن اختلاف الجنسيات السياسية المعاصرة غير مسقط لعدالة المسلم وغير قادح لافي شهادته ولا في روايته للحديث ، و رؤيته مثل شهادته وروايته ، و عدم الاعتداد برؤية العدول في هذه المسافة الصفرية المعدومة شرعا بسبب اختلاف الجنسيات يفتقر الى دليل شرعي غير موجود ،  و هذا مذهب لا نعلم له سلفا من المذاهب الأربعة في القرون الماضية كلها، ولم يظهر القول به في الأمة الاسلامية كلها الا بعد ظهور الحدود بين بلاد المسلمين ،   لأنه معطل  لحديث كريب  و هو من حديث (( صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته )) المخرّج في الصحيحين أبعد و أبعد  ، و من الواضح أن فقهاءنا   المعاصرين  حفظهم الله و هداهم قد اضطررتهم  الظروف للقول به و للضرورة أحكامها ، ثم ننبه على حقيقتين أخريين أولاهما أن القول بأن المخالفين  لرئيس الدولة  أو ملكها في الرؤية خارجين عن طاعته  هو قول ليس له دليل  من الكتاب و  لا من السنة و ليس لقائله سلف من الصحابة و التابعين  فمعاوية لم يثرِّب على ابن عباس و لم يلمه ، و ليس له رصيد في الواقع ، فلو أن ملكا أو رئيسا تيقن دلوك الشمس  و صلى الظهر و لم يتيقن مرافقوه  الناصحون له  و لم يصلوا معه كي يتيقنوا  دخول  الوقت هل يعتبرهم الشرع خارجين عن طاعته ؟ كلا ليسوا خارجين عن طاعته ، و الشك في دلوك الشمس كالشك  في ظهور الهلال  سواء بسواء و الاختلاف فيهما لا يفسد للود قضية ، ولو أن المسلمين  نجوا من تحريك المرجفين في كل دولة من دولهم لسلموا من القلاقل والفتن و لنعموا بالانسجام مع حكامهم وتلك مصلحة دينية كبرى يحرم الاخلال بها والفتنة نائمة لعن الله من ايقظها ، و ثانيتها أن شعائر التعبد و النسك  مع أنها جماعية من جهة فهي فردية عينية لا تبرأ ذمة المسلم منها إلا إذا بلغ  في أدائها  أقصى الوسع و الطاقة  على هدي محمد صلى الله عليه وسلم . 

كتبه الفقير الى الله محمد بوي ولد أكيه