مات الترابي .. عاش الترابي...!!!

ثلاثاء, 03/08/2016 - 13:34
الدكتور حسن الترابي رحمه الله

بادرني الدكتور حسن الترابي رحمه الله حين قابلته بالخرطوم في صيف 2007 بأننا نخطئ إن قسناه بالطيب صالح أو بغيره ، فقياس الترابي بالطيب صالح يعتبره ظلما لأن الطيب صالح كاتب مشهور والترابي مفكر مناضل مجتهد ، وبين المنزلتين مساحات شاسعة شسوع بلاد النوبة التي لا تغيب شمس عظمتها إلي قيام الساعة.

الدكتور حسن الترابي الذي انطفأ مساء يوم السبت 5 مارس 2016 عن عمر يناهز 84 عاما رجل فريد على أكثر من صعيد ، فهو المفكر المبدع المجتهد المجدد وهو الفارس السياسي المغوار الذي لا يشق له في مضامير السياسة غبار.

لن أكون منصفا إن قسته بالسيد قطب أو بحسن البنا أو بجمال الدين الأفغاني أو محمد عبده أو المودودي أو الغنوشي أو أسامة بن لادن فهؤلاء على عظمة شأنهم فكروا في لحظة مفصلية واعتبروا أن الاسلام هو الحل وأن الحاكمية لله وأن العودة إلي دولة الخلافة وتنظيم حوكمة الاستخلاف بطرق إسلامية هي طريق خلاص الأمة من انحطاطها المتراكم.

أما الدكتور الترابي فقد فكر وقدر وتدبر واجتهد وزاد بأن أنزل كل هذه الأفكار وصهرها في فكر سياسي إسلامي حداثي مسكون بفقه الواقع ومتغيرات التوقع ، فكر صدامي إلي حد كبير ، فكر لا يهادن ولا يستكين وإنما يتصدى للشوائب على مستوى جينات تشكلها في العقول...

نزل الترابي إلي الحلبة وقاد الثورات والثورات المضادة وتصدى لـ"إخفاقات السلف" ولـ"سقطات الخلف" بجسارة ، ناضل بفكره وقلمه وبدنه ومهجته على كل الجبهات حتى إن حركيته الزائدة دفعته أحيانا إلي مراجعات ضد بعض أفكاره الشديدة الحيوية.

صحيح أن الترابي لم يكن الشجرة التي تحجب غابة الحراكات الاسلامية في مستهل الألفية الثالثة لكنه كان المعين الفكري الذي لا ينضب ، فمقاربته كانت سياسية ثورية قبل أن تكون جهادية إقصائية ، لكنها في جوهرها كانت تكاملية مع مجرى التيارات الاسلامية الجارفة الهادفة للتغيير والإصلاح بكل أساليب القول والفعل.

اليوم رحل الترابي ، قدم إلي ما قدم وبقي فكره حيا يرزق وينتشر ، فرحيله لن يكون إلا بداية لسريان دعوته الجادة للتغيير والاصلاح ، أفكار الترابي من النوع الذي ينموا ويتطور ويتفشي في غياب راعيه.

لن يسجن الترابي بعد اليوم في سجن من أربعة جدران رغم أن عشر حياته قضاه في السجن .. لقد تحررت الروح الجامحة وتحرر البدن المشاكس وتحررت الافكار وبدل ترابي واحد توقعوا مئات حسن الترابي على كل أصعدة الرقعة الاسلامية المأزومة ، فالسودان لم تعد وحدها موطنه بعد اليوم ، موطنه كل القلوب والعقول وهو في مصاف الخالدين المخلدين الذين دخلوا التاريخ الانساني من أوسع أبوابه.

لقد أوصله انقلاب الموت إلي السلطة المطلقة التي ناضل من أجل الوصول إليها طيلة حياته ، وتلك عدالة الله في حق عباده المميزين المنعمين الخالدين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إن شاء الله.   

حميدوت ولد أعمر