قمة نواكشوط:كيف انهزم العرب في ليلة 25 يوليو؟

أحد, 08/21/2016 - 11:03

استمرارا لسياسة التعاون بين جريدة «البوابة» والمركز العربي  للبحوث والدراسات ننشر اليوم دراسة للدكتور محمد السعيد إدريس حول القمة العربية التى عقدت مؤخرا فى موريتانيا. أكدت القمة العربية السابعة والعشرون التى عقدت فى نواكشوط ولمدة يوم واحد، على غير العادة، (2016/7/25) جدية التخوفات التى صاحبت انعقادها، وعلى الأخص منذ أن أعلنت المملكة المغربية اعتذارها الرسمى عن عدم استضافة هذه القمة.

كان الاعتذار المغربى جريئًا وفريدًا من نوعه لم تعتده الدبلوماسية الرسمية العربية التى اعتادت التستر على سلبيات العمل العربى المشترك. أهم ما فى هذا الاعتذار المغربى أنه كان مسببًا، ووضع النقاط فوق الحروف بصدق ودون مواربة، خصوصًا عندما تضمن أنه «أمام غياب قرارات مهمة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مناسبة للتصديق على قرارات عادية، وإلقاء خطب تعطى الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين الدول العربية».

زاد بيان الاعتذار صراحة عندما كاشف العرب بالقول إن المملكة المغربية «لا تريد أن تُعقد القمة بين ظهرانيها دون أن تسهم فى تقديم قيمة مضافة فى سياق الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ألا وهى قضية فلسطين والقدس الشريف، فى وقت يتواصل فيه الاستيطان الإسرائيلى فوق الأراضى الفلسطينية المحتلة، وتنتهك فيه الحرمات ويتزايد فيه عدد القتلى والسجناء الفلسطينيين».

يومها اختتمت المملكة المغربية اعتذارها بتحديد المسار المطلوب نهجه من جانب القادة العرب وهو «عقد قمة للصحوة العربية ولتجديد العمل العربى المشترك والتضامن باعتباره السبيل الوحيد لإعادة الأمل للشعوب العربية». لم تطمح المملكة المغربية فيما هو مستحيل أو صعب، لكن ما طمحت إليه هو إعادة الأمل للشعوب، فقط إعادة الأمل وليس الطموح فى تحقيقه، وحددت الطريق بتجديد العمل العربى المشترك والتضامن بين الدول العربية.

وكان أمام قيادة النظام العربى، حينئذ، ثلاثة خيارات للتعامل مع الاعتذار المغربى.

الأول هو إرجاء القمة العربية لأجل غير مسمى، وربط انعقاده بمقومات تحقيق البنود الواردة فى بيان الاعتذار المغربى. والثانى هو عقد قمة جادة وقوية تكون قمة للصحوة عن جدية وعزم قادرة على استعادة الأمل العربى وامتلاك مقومات الانطلاق نحو تحقيق الأهداف وأولها بالطبع التصدى لكل التحديات التى تهدد تماسك وبقاء العديد من الدول العربية التى باتت مهددة بالسقوط والانهيار والتقسيم، وتشكيل القوة العربية المشتركة القادرة على خوض معارك الانتصار ضد الإرهاب، واستعادة الوعى فى إدارة الصراع التاريخى الاستراتيجى مع الكيان الصهيونى باعتباره العدو الأساسى للأمة.

أما الخيار الثالث فهو التغاضى عن كل ما ورد من مضامين فى بيان الاعتذار المغربى، وعقد قمة مناسباتية للمصافحة والمجاملة الفاترة بين النذر اليسير من قادة الدول العربية الذين سيعطون الأولوية للمجاملات على حساب المصارحين وسيحضرون تلك القمة. وعندما قررت جامعة الدول العربية انعقاد القمة فى موريتانيا التى تكرمت وأنقذت الموقف بقبول استضافتها، لم يصل سوء الظن بأحد من العرب أن يكون هناك خيار رابع لم يرد على ذهن أحد وهو انعقاد قمة عربية تصادق على كل دعوات الانهزام العربى.

هكذا جاءت قمة نواكشوط ببيان هزيل ركيك لا يحمل أى مضامين حقيقية ولا يتضمن أى قرارات قابلة للتنفيذ، لا بخصوص الأزمات العربية المتفجرة، ولا بخصوص القوة العربية المشتركة المؤجل قرارها منذ القمة السابقة التى عُقدت فى شرم الشيخ، وكأن الظروف الحالية لا تستدعى أن تكون للعرب قوة عسكرية تقاتل معاركهم، لكن الأهم هو زيف نصوص البيان بخصوص القضية الفلسطينية والموقف من الكيان الصهيونى. البيان دعم مؤتمر باريس والدعوة الفرنسية لتجديد الأمل فى حل الدولتين، أى أنه كالعادة ألقى بالقضية فى ملعب المجتمع الدولى وكأن قضية فلسطين تخص هذا المجتمع الدولى ولا تخص الدول العربية، لكن ما هو أدهى وأمر أن هذا التوجه يأتى فى وقت يتدافع فيه بعض العرب نحو الكيان الصهيونى ظنًا أنه يمكن أن يكون الحليف والملاذ الآمن فى وقت يفتقرون فيه إلى الأمان. هل هذا هو مصير العرب؟ بالطبع لا، لا هذه القمة عربية، ولا مقرراتها الهزيلة نهاية المطاف، ولن يفقد العرب يقينهم فى صدق عزمهم لاستعادة الأمل والصحوة من الغفلة والمضى قدمًا فى طريق تحقيق الأهداف.

قمة نواكشوط: جرس إنذار أهم ما أنجزته قمة نواكشوط بكل سلبياتها هو أنها قرعت جرس إنذار بالخطر لكل العرب ليهبوا للدفاع عن ذواتهم، الشعوب قبل الحكومات، إنذارًا يضعهم أمام أحد خيارين، إما الانفراط النهائى والتشرذم والتبعثر فى كيانات صغيرة عرقية وطائفية متصارعة، على نحو ما تتحدث أوراق وخرائط ما يعتبرونه «سايكس – بيكو» أخرى تنهى ما قد تبقى لدى الحالمين العرب من طموحات وحدة الهوية والأرض وطموحات النهوض والتقدم، وإما نفض هذا الغبار اللعين بكل روائحه الكريهة، واستعادة زمام المبادرة والبدء من جديد لإحياء مشروع النهضة العربية والتصدى لكل نوازع التفكك والانهيار، فإن القرار سيبقى فى النهاية مرهونًا بإرادة الشعب العربى فى كل أقطاره، وهى الإرادة التى سبق أن اختبرت عشرات المرات فى سنوات وتجارب حالكة السواد لكنها كانت دائمًا عند حسن الظن بها، وكانت قادرة على صنع المستحيل. لكن دائمًا يبقى السؤال هو كيف؟ هل يمكن للعرب الخروج من النفق المظلم؟ وكيف؟ هذا السؤال كان عنوانًا، وما زال، لمبادرات صادقة طرحتها مجموعات واعية وصادقة فى وعيها بأن: «الأمة ما زالت تستطيع».

وكان السؤال الشاغل هو: هل ثمة مخرج من كابوس عملية التفتيت والتفكيك التدميريتين الجارية الآن على قدم وساق للوطن العربى على ضوء ثلاثة تطورات بارزة وشديدة الخطورة هى على الترتيب: – عجز مشاريع الإسلام السياسى المتنوعة من الإسلام الإيرانى إلى العثمانية التركية إلى السلفية الجهادية التكفيرية والأصوليات الأخرى عن وقف تداعيات هذا التفتيت، بل وتورط معظم هذه المشاريع فى تعميق عنف هذه التداعيات، ناهيك عن تقديم حلول ومخارج ناجعة للأمة.

– تداعى مشروع الدولة القطرية (الوطنية) العربية بفعل فشلها فى الإنجاز والقيام بالوظائف المنوطة بها، خاصة وظائف الأمن والتكامل والتنمية، وإمعانها فى الاستبداد والتسلط والقهر، ما جعلها غير قادرة على كسب الولاءات الشعبية، ومن ثم عرضة لتلقى الضربات والصدمات ومشاريع الاختراق وإعادة التقسيم دون حول ولا قوة، بل والتورط فى التحالف مع ألد أعدائها، أملًا فى إيجاد ولو خيط ريع للإنقاذ دون أن تدرى أنها تنحدر بهذا الخيط الآثم نحو الهاوية.

– تنامى وتصاعد الهويات الفرعية ما قبل الوطنية والقومية، ولاءات عرقية، وأخرى دينية وطائفية، فاقمت من العجز، ليس هذا فقط، بل أنها، وعندما أعلت من شأن هذه الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والقومية الجامعة فتحت أبواب الاختراق لكل أشكال التدخل الخارجى التى تحمل معها وعودًا كاذبة بالحماية القاتلة. لقد تعددت الإجابات والاجتهادات على سؤال: هل يمكن الخروج من النفق؟ وكيف؟ وكانت إجابتنا هى نعم، ومن خلال مشروع وطنى للإنقاذ له أفقه القومى.

فإذا كان مشروع الإسلام السياسى ومعه مشروع الدولة الوطنية قد فشلا فى الحفاظ على الحد الأدنى من وجود الأوطان التى باتت معرضة للتبعثر ومعها الهوية الوطنية ذاتها، فإن العروبة والمشروع القومى العربى باتا هما طوق النجاة الباقى لهذه الأمة وربما الوحيد للحفاظ على بقاء الدولة العربية.

 

إعداد: د. محمد السعيد إدريس مدير وحدة الشئون العربية والعلاقات الدولية بالمركز العربى للبحوث والدراسات دراسات «المركز العربى للبحوث»