خطبٌ جللْ وبدرٌ أفلْ /موسى ولد عبد الفتاح

جمعة, 07/27/2018 - 11:13

استَأْرَض السحابُ ليلة أمس وغامتْ سماؤُه ثم غَسَقَت بِنبإٍ جَللْ ووَلَّت بنجمٍ أفَلْ.

إنها رَيْحانة العابدات، و واسِطة عِقْد الزاهدات، مَن كانت للمكرُمات بابا، وللتقوى لُبابا، لم تُزلزلها السِّنُون ولا فَتَنَتْها الفُتون حتى استَحْقبتها المَنُون.
ابنة عمنا وحِلْية بيْتنا وزِينة نَدِيِّنا : فاطمة بنت إبراهيم ابن عبد الفتاح .
تَفتَّقتْ أكْمامُها عن التقوى ، وأَلْهَمَها إياها مَن يعلم السِّر والنجوى فما فَتِئت تَتَبوّأ منازلَها وتَتَفيَّأ ظِلالَها مُذْ مَهْدِها حتى وُورِيتْ في لَحْدها.
شهد بذلك البادي والقادي والرّائح ثُم الغادي ، والقريب والغريب ، وما كان لها بغير القرآن ائتِمامْ ولا بِسِوى سُنة العدنانيّ ذِمامْ ، لم تبغ بهما بدلا ولا عنهما حِولا لسانُ حالها :
(أُقيم على التقوى وأرضى بفعلها / وكنت من النار المَخُوفة أحذرا ).
نشأت في بيت سؤدد ورياسهْ وقُرُوم نُجُب ساسهْ فأتتْ على كتاب الله حفظا وجِماع فرائضه معنى ولفظا ثم يَمَّمتْ شطْر المسجد الحرام ، فألقتْ عصاها واستقرَّت بها النَّوى ... ولم تزل عاكفة في مِحرابها تتلو آيات ربها ، تَقْطع الليل بتسبيحها والنهارَ بصومها على حالة عزَّ مثلُها وندَر شكلُها ، لايَسْتَهْويها حُطام فانيهْ ، ولا تَرنو لِغَير القُطوف الدانيهْ .
قد عَزَفتْ عن اللذات واسْتَبَقَت الجناتْ ، آخذةً بالعزائمْ مُعْرِضة عن العاذل واللائمْ ، صادّة عن زِبْرِج الدنيا وخُدَعها، مُقْبِلة على اكتساب نِعَم الأُخرى ومُتَعها.

كذلك ولم يزل دأْبَها عُمُرَها الإهطاعُ إلى الطاعات والتجافي عن عُظْم المباحاتْ بَلْه الشبهاتْ .
( والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) .
كانت رحمها الله مَرِيئة غَرِيرة ، باديةَ البِشْر ، طيبة النَّشْر ليِّنة سَهْلة مُغْرِقة في البَذلْ مُعْرِقة في الفَضلْ ، وكان بيتُها بوادي جليل قِبْلةً لضيوف الرحمن ومنزلا من منازل الإيمان .
فَلِلّه ماأندى كفّها ، وأشد عَفَّها ، وأَلْزَمها لكل بِر وأَزَلَّها عن كل عُر ، ( - فيا ركْب المنون ألا رسولٌ / يُبلّغ روحها أَرَج السلام .

- سألت متى اللّقاء فقيل حتى / يقوم الهامِدون من الرِّجام ).

فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ( هذا ماوعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) آمنا بالله وسلّمنا لقضائه ، ولوكانت فديةٌ لبذلنا المُهَج و النفوسْ وكلَّ عِلْقٍ منفوسْ ، غيرَ أن الأجل قد حُمْ والأمرَ قد زُمْ ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) .
ولا والذي تَعْنُو له الوجوه ما لنا فيها عزاءٌ إلا قولَه عز وتبارك ( إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .
و
( لا أَكْذِبُ اللهَ ثوبُ الصبر مُنخرقٌ / عنّيْ بِفُرْقتها لكن أُرَقِّعهُ ) .
اللهم إن والدتنا فاطمةَ بنتَ إبراهيم مُمَسِّكة بحبل جوارك وقد غَدتْ ببابك مُعْترِضة بركاتِك مُتَعَرّضةً لنفحاتك فَصِلْها برحماتك واقطعها عن عذابك .
اللهم بِغِناك عنها وفَقْرها إليك اغفر لها و بوِّئها من الجنان فراديسها ومن الرحمات قَدَامِيسَها .
اللهم إنها قد كَفَتْنا مِن أمر دنيانا فاكفها أمر أُخراها .
اللهم اغفر السيئهْ وضاعف الحسنهْ وارفع الدرجهْ ولَقِّها منك رَوْحا وريحانا وجنة ورضوانا .
اللهم وأنزلنا وأهليها منازل الصابرين واربط على قلوبنا حتى نكونَ من المومنين .

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين مالاح كوكبْ وأقام يذبلٌ وكَبْكَبْ .