الذكري 6 لرحيل العلامة محمد سالم ولد عدود

أربعاء, 04/29/2015 - 21:24
العلامة الشيخ عدود رحمه الله

تحل اليوم 29 أبريل 2015 الذكري السادسة لرحيل العلامة الشيخ محمد سالم ولد عبد الودود الذي انتقل إلي جوار ربه فجر 29 أبريل 2009، فرحمة الله على روحه الطاهرة، وبهذه المناسبة نعيد نشر صورة قلمية رائعة كتبتها الزميلة بلقيس منت اسماعيل عن العلامة تحت عنوان:

الشيخ عدود...ذاكرة الصحراء التي لا تندثر..!!

ليس بدعا أن تنجب الصحراء عظيما، فكثبانها التي ارتوت بماء المكرمات كثيرا ما اهتزت و ربت و أنبتت من العلماء و الشعراء، من البناة و المفكرين، حدائق غناء يحور فيها البصر و تحار منها البصيرة. في أرجائها تلفي الورود و قد اختلفت ألوانها و أشكالها و الزهور و قد تباين أريجها فزادها الإختلاف و التباين رونقا و بهاء و طيب شذى.

 غير أنه من شبه المستحيل أن يستأثر المرء من كل وردة بلونها و من كل زهرة برياها، فيصبح دون سواه روضة تفيض جمالا و عطرا. لعل تلك كانت من السمات المميزة للقطب الراحل محمد سالم ولد محمد عالي ولد عبد الودود الشهير بالشيخ عدود.

******

العلامة القاضي و الأديب الأريب الشيخ عدود ولد سنة 1929 بشهلات في منطقة اترارزة، و قد نشأ في محيط علمي بامتياز، فوالده الشيخ محمد عالي ولد عدود كان عالما معروفا و شيخ محظرة، أما والدته فهي النجاح منت محمذن فال و هي سليلة بيت علم أيضا. و نهل الشيخ عدود من علم هذه الأسرة التي حبته إياها الأقدار بادئا بحفظ كتاب الله تعالى و إتقان علومه، لتشرع أمامه أبواب المعرفة على مصاريعها، فيرخي العنان لنفسه المولعة بالعلم متنقلا بين واحات الكتب و مستغلا ذاكرته الفذة في تخزين كم قياسي من متون الحديث و الفقه و اللغة و دواوين الشعر.

******

تعطش الشيخ عدود إلى استيعاب كل ما يدخل في دائرة الإنتاج العلمي، دفعه إلى أن يلج مجال الدراسة بأسلوبها العصري، و هكذا اتجه سنة 1961 إلى تونس لدراسة القانون المعاصر ليعود بشهادة ليصانص، و لتشكل عودته بداية مساره الوظيفي و يتقلد مناصب سامية كان من أهمها توليه نيابة رئيس المحكمة الابتدائية فرئاسة المحكمة العليا ثم عين وزيرا للثقافة و التوجيه الإسلامي ثم رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، و قد مارس التدريس سنوات بكلية القانون في جامعة انواكشوط.

******

إنتشر صيت العلامة ليتجاوز المحلية إلى العالمية فتلقى الكثير من الدعوات لحضور ندوات و مؤتمرات في مختلف أنحاء العالم، فكان ممن ساهموا في كتابة إسم بلاد شنقيط في سجلات التاريخ كما كانت تآليفه و أنظامه و محاضراته نبراسا أضاء سبيل العديد من طلبة العلم في موريتانيا و في شتى اصقاع الأرض.

******

اجتمع للعلامة عدود من الميزات ما نجعله شخصا استثنائيا بكل المقاييس، فقد أوتي ملكة الخطابة التي يفتقدها الكثير من العلماء، هذا مع بساطة الأسلوب و سلاسته و روح الدعابة التي كثيراما كانت تلمس في محاضراته، و هو ما يؤهله لجذب انتباه السامع و الأخذ بمجامع قلبه، ليس هذا فقط، بل إن المسار الذي ارتآه لنفسه حيث جنبها تجاذبات السياسة و دهاليزها، جعله موضع إجماع كل أطياف بني وطنه بالإضافة إلى مدنيته التي خولته التنقل في أنحاء العالم شرقا و غربا دونما صعوبات، مما منحه احترام جميع من تعاملوا معه.

******

أما الشيخ عدود الشاعر، فعنه حدث ولا حرجا، إذ كانت قريحته المتوهجة و سرعة بديهته سجايا ملازمة له أينما حل و ارتحل، فاشتهر بمساجلاته الشعرية مع أقرانه من أكابر العلماء، و كان لتلك التي جمعته بالعلامة و الأديب حمدا ولد التاه –و كان من أعز أصدقائه- النصيب الأوفر من الشهرة ك (الزنكلونيات و الجراديات...).

******

و لعله من نافلة القول ذكر ما صبغ حياة الشيخ عدود الدراسية و المهنية من ورع لم يستثن نقطة حبر و لا قطعة طبشور، كما أنه من الاستحالة بمكان الوقوف على جميع المحطات التي تبرز مظاهر العظمة في حياة هذا العالم الجليل الزاهد.

و لقد عكس تفرغه الكامل للتدريس بمحظرة "أم القرى" بعد تقاعده سنة 1997 و الذي استمر حتى وفاته بتاريخ 29/04/2009 أنصع صورة لحياته التي سخرها لأداء أمانة بث العلم في صدور الرجال، و خير ختام لمسيرة لا يكاد القلب يخفق إعجابا و زهوا بإحدى محطاتها حتى تليها أخرى لتختطف بريقها و تشد عنها الإنتباه.

******

و ذات مساء حجب الأفق شمس العلامة محمد سالم ولد عدود، دون أن يحجب النور و الدفء الذي ملأت به القلوب طوال ما يناهز الثمانين عاما لتنطلق الحناجر برثائه شعرا و نثرا، و لكن هيهات أن يوفيه حقه كلام..أي كلام، و هيهات أن يلفى له في تاريخ العلم و الشعر و التواضع و الخطابة أي مثيل.

 الكاتبة الصحفية :  بلقيس منت اسماعيل